التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب 9}

صفحة 3838 - الجزء 5

  فأما على القول الثاني أنه ذكر اليد والفم توسعًا ومجازًا، اختلفوا في معناه، فقيل: المراد باليد ما نطق به الرسل من الحجج، والهاءان يرجعان إلى الرسل، ومعناه: ردوا حجتهم من حيث جاءت؛ لأن الحجج تخرج من الأفواه، فإذا ردوها قيل ردوا أيديهم في أفواههم، عن أبي مسلم.

  وقيل: معناه: ردوا القول بأيدي أنفسهم إلى أفواه الرسل أي: أنهم كذبوهم، ولم يصغوا إليها، فالهاء الأولى للقوم، والثانية للرسل، واليد صلة وتأكيد كقولهم: فلان أوقع نفسه في الهلكة بيده.

  وقيل: كذبوا الرسل وردوا ما جاؤوا به، عن مجاهد، وقتادة، وابن أبي نجيح.

  وقيل: تركوا ما أمروا به وكفروا عن قبول الحق، عن أبي عبيدة، والأخفش.

  قال [القتبي]: ولم يسمع أحد أن العرب تقول للذي رد يده في فيه: كلمت فلانًا إذا ترك ما أمر به، وحكى ابن جرير عن العرب تقول للذي يمسك عن الجواب: رد يده في فيه، تقول: حكمت فلانًا في حاجة فرد يده في فيه إذا سكت عنه، وهذا تعسف لا يحمل الكلام عليه ولأنهم أجابوا بالتكذيب.

  وقيل: المراد بالأيدي النعم، و (في) تحمل على (الباء)، والهاء الأولى للقوم والثانية للرسل أي: ردوا بأفواههم نعم الرسل أي: بيانهم ووعظهم، عن مجاهد.

  وحروف الصفات تتبادل، قال الشاعر:

  وأرغب فيهم عن لقيط ورهطه ... ولكنني عن سنبس لست أرغب

  أراد أرغب بهم، فحمل على الباء.