قوله تعالى: {قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين 10 قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون 11 وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون 12}
  بالنبوة لأنجل الاستصلاح ويتميز بالمعجزة فلا معنى لاعتبار الصورة «تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا» تمنعونا «عَمَّا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُنَا» فسلكوا طريقة التقليد «فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ» أي: بحجة بينة، وقيل: طلبوا معجزات سوى ما ظهر عليهم اقتراحًا، وقيل: بل اعتقدوا أن ما جاءت به الرسل ليس بدلالة ولا حجة.
  ثم بيّن تعالى جواب الرسل، فقال سبحانه: «قَالتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» في الصورة والهيئة «وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ» أي: ينعم عليهم بالنبوة وتمييزهم بالمعجزة، عن ابن عباس، وأبي علي، وأبي القاسم، وأبي مسلم. وقيل: بالعلم والدين، عن الأصم. «وَمَا كَان لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ» بحجة معجزة «إِلَّا بِإذْنِ اللَّهِ» قيل: بأمره، عن ابن عباس. وقيل: بعلمه لأنه العالم بوجه المصلحة فيظهر من الآيات ما فيه المصلحة ولا يظهر ما لا مصلحة فيه، وقيل: معناه: ما آتيناكم [إلا] بإذنه لأنه لا يقدر عليه غيره «وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» يعني إذا كان التوكل عليه في سائر المصالح دينًا ودنيا كذلك في المعجزات فليس لأحد أن يقترح ذلك «وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا» قيل: إلى التوحيد، وقيل: إلى النبوة، وقيل: إلى سائر أمور الدين وهو الوجه، يعني إذا كنا نهتدي فلا ينبغي لنا أن نتوكل إلا عليه «وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا» قيل: لأنه تعالى يكفينا ذلك وينصرنا، وقيل: لا يجاوز في مقاتلتكم إلى ما لا يحل، وقيل: لا عذر لنا أن لا نتحمل الأذى بعد أن هدانا اللَّه إلى دينه «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ» أي: الواجب على كل أحد أن يتوكل على اللَّه دون الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، واللَّه تعالى قادر على النفع والضر، فالواجب أن نتوكل عليه.
  · الأحكام: تدل الآية أن الشك في الدين يصح، فيبطل قول أصحاب المعارف.
  وتدل على أن الشك يزول بالنظر في الأدلة من خلق السماوات والأَرض وما فيهما، ويبطل ذلك أيضًا قول أصحاب المعارف والتقليد أيضًا.