التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين 13 ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد 14 واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد 15 من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد 16 يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ 17}

صفحة 3845 - الجزء 5

  والإساغة: إجراء الشراب في الحلق على تقبل النفس، يقال: ساغ الشراب سوغًا، وأسغته، ومنه: سوغت فلانًا ما أصاب.

  · الإعراب: اللام في قوله: «لَتَعُودُنَّ» دخل لجواب النهي، وهو كقوله: واللَّه لأضربنك أو تقر لي، فيكون معنى (أو) [ههنا] معنى (إلا) أو معنى (إلا) أو معنى (حتى)، قال الشاعر:

  بَكَى صَاحِبِي لَمَّا رَأَى الدَّرْبِ دُونَهُ ... وَأَيْقَنَ أَنَّا لاَحَقِان بقيصرَا

  فَقُلْتُ لَهُ لا تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّمَا ... نُحَاوِلُ مُلْكًا أوْ نَمُوتَ فَنُعْذَرَا

  أي: حتى نموت.

  · المعنى: ثم بيّن تعالى مقالة الكفار للرسل عند ظهور الحجة فقال سُبْحَانَهُ: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا» قيل: أرضنا أي بلادنا، أو لتعودن أي ترجعن «في ملتنا» قيل: في ديننا، وإنما قال: «لتعودن» لأنهم قدروا بالنشوء أنهم كانوا فيها، وقيل: توهموا ذلك من غير حقيقة، وقيل: تعودوا فيه وإن لم تكونوا قط فيه وذلك شائع في اللغة، فعند ذلك أمر اللَّه تعالى رسله وبشرهم بهلاك أعدائهم، فقال سبحانه: «فَأَوْحَى إِلَيهِمْ رَبُّهُمْ» أن بلغوا واصبروا وتوكلوا على اللَّه «لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ» يعني هَؤُلَاءِ الكفار «وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ» أي: أرضهم وديارهم من بعد ما أهلكوا، وهذا نهاية الإنعام في مقابلة ما أوردوه حيث قلب الأمر عليهم