التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد 18 ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد 19 وما ذلك على الله بعزيز 20}

صفحة 3851 - الجزء 5

  · المعنى: لما تقدم ما للأمم الظالمة من العذاب في الدارين عقبه بما ينالهم من الحسرة فيما تكلفوه من الأعمال، فقال سبحانه: «مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ» أن «أَعمالُهُمْ» قيل: تقديره: مثل أعمال الَّذِينَ كفروا، وقيل: تقديره: مثل الَّذِينَ كفروا بربهم أن أعمالهم، واختلفوا في أعمالهم، قيل: أعمال القرب لأن تلك صارت محبطة بالكفر، عن الأصم، وأبي علي. وقيل: عبادتهم الأصنام ظنا بأن ذلك ينفعهم، عن ابن عباس.

  «كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ» حملته الريح عند هبوبها ولا يقدر عليها من أثرٍ وعين كذلك أعمالهم تبطل فلا ينتفع بها، وحسرتهم أنهم أحبطوها بكفرهم، هذا على قول من يقول: إن الأعمال الطاعات والقرب، ومن قال: هو الكفر فوجه الحسرة أنهم أتعبوا أبدانهم لكي تنفعهم فصار وبالاً عليهم، وعوقبوا عليها، وقيل: هو محمول على كل العملين فيندمون لوجهين:

  أحدهما: تحملهم المشقة في عبادة غير اللَّه وعاقبته العذاب.

  وثانيهما: ما أبطلوا من أعمال القرب وقد تكلفوها.

  «فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ» قيل: في يوم ذي ريح عاصف، وقيل: لأن الريح معه تقع فيه، وقيل: عاصف الريح، عن أبي القاسم. «لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ» أي: لا يخلصون من جزاء أعمالهم مما كانوا يؤملون به على نفع «ذَلِكَ» يعني الذي تمسكوا به من الكفر «هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» قيل: الهلاك، عن أبي مسلم. وقيل: الخطأ البعيد عن الصواب، عن ابن عباس.

  ثم بيّن تعالى أنه خلقهم ليعبدوه وليؤمنوا به لا ليكفروا، فقال سبحانه: «أَلَمْ