التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص 21 وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم 22}

صفحة 3856 - الجزء 5

  اللَّهِ» الذي نزل بنا، وقيل: (مِن) للتبعيض أي بعض ذلك إن لم تقدروا على دفع الكل «قَالُوا» يعني القادة للأتباع «لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ» فيه أقوال: قيل: لو خلصنا اللَّه من العذاب وأدخلنا الجنة للثواب وهو الهدى «لَهَدَيْنَاكُمْ» لخلصناكم أيضا لكن لا مطمع فيه لنا ولكم، عن أبي علي، وأبي مسلم، والقاضي قال: وهو الأقرب لأن الذي التمسوه هو الخلاص من العذاب. وقيل: لو اهتدينا فكنا في حكم اللَّه مهتدين لكنتم كذلك، عن أبي القاسم. وقيل: لو كان ما نحن عليه هدى لهديناكم بالمسألة لله تعالى، وقيل: لو هدانا اللَّه إلى الرجعة إلى الدنيا فنصلح ما أفسدنا لهديناكم كقوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}⁣[السجدة: ١٣] بالرجعة إلى الدنيا، ذكر هذين الوجهين قاضي القضاة في تفسيره، ولا يجوز حمله على أن اللَّه تعالى لو هدانا بخلق الإيمان فينا؛ لأن الإيمان فعل العبد ليس بخلق لله تعالى ولو كان خلقًا له لما صح الأمر والنهي والثواب والعقاب، وأيضًا «لهديناكم» لا يصح حمله على الخلق عندنا وعندهم، ولأن الهداية بمعنى خلق الإيمان فيه لا تعرف لغة ولا عرفًا، ولا يجوز حمله على أنه تعالى لو هدانا بالدلالة وبالألطاف لأن الدلالة واللطف قد فعله اللَّه تعالى بجميع المكلفين إلا من علم أنه لا لطف له فلا يصح أن يقول: لهديناكم باللطف ولا لطف له.

  ثم بينوا أنه لا سبيل إلى الخلاص بوجه، فقال سبحانه: «سَوَاءٌ عَلَينَا أَجَزِعنا أَمْ صَبَرْنَا» أي: يستوي حالنا في هذين الحالين، وإنما اختصهما بالذكر لأن