التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص 21 وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم 22}

صفحة 3857 - الجزء 5

  البلاء يدفع بأحد هذين الوجهين، وعن محمد بن كعب: إن أهل النار قال بعضهم لبعض: فلنصبر لعله ينفعنا، فصبروا وطال صبرهم، ثم نادوا «سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا» أي: يستوي في حلول العذاب بنا الصبر والجزع، ذكره ابن جرير، وابن زيد، ومقاتل أن أهل النار في النار يقولون: تعالوا نجزع، فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم الجزع، فيقولون: تعالوا نصبر، فيصبرون خمسمائة عام، فحينئذ يقولون: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا «مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ» أي: لا مهرب لنا ولا ملجأ، عن ابن عباس، والأصم، وأبي علي وغيرهم من المفسرين. «وَقَالَ الشيطَانُ» قيل: إنه إبليس باتفاق المفسرين، ويحتمل أنه شيطان الإنس عالم السوء، الذي يضل الناس عن الدين «لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ» أي: فرغ من الحكم بين الخلائق، وقيل: إنما يقول ذلك عند دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، عن ابن عباس، والحسن، وأبي علي، واختاره القاضي. وقيل: يقول في القيامة بعد القضاء والمحاسبة بعد أن يبين اللَّه لكل أحد منزلته، عن الأصم. واختلفوا، فقيل: إن إبليس خطبهم بذلك، عن ابن عباس، والحسن، والأصم، قال الحسن: وهو أحقر وأذل من أن يخطب لولا أن أذن اللَّه فيه توبيخًا لأهل النار.

  وذكر ابن جريج عن عامر: خطيبان يقومان يوم القيامة: عيسى ابن مريم # في قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ}⁣[المائدة: ١١٧] وإبليس في هذا القول. وقيل: إنه توبيخ للكفار يزيد في غمهم، وقيل: إنه لبس ثيابًا من النار ويقعد على منبر من نار