التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء 27}

صفحة 3867 - الجزء 5

  الملَك فيقول: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي اللَّه، وديني الإسلام، ونبيي محمد، ÷، عن ابن مسعود، وابن عباس، والبراء بن عازب، وروي مرفوعًا، وهو قول قتادة، والأصم، وعكرمة، والربيع بن أنس. قال القاضي: ولو كان المراد ذلك لقال يثبت اللَّه الَّذِينَ آمنوا على القول الثابت ولأن سؤال القبر يكون في الدنيا.

  قلنا: هذا مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، وروي مرفوعًا، وحروف الصفات تتبادل، والقبر فيه أحكام الآخرة، وقيل: يثبته اللَّه في الكرامة والمدح في الدنيا وفي الثواب في الآخرة لأجل تمسكه بالقول الثابت جزاء عليه، عن أبي علي. وقيل: يثبته بالفتح والنصر في الدنيا، ويثبته في الآخرة بإسكانه الجنة، عن أبي مسلم. قال القاضي: وقول أبي عليٍّ أظهر لأنه يدخل فيه كل مؤمن ومؤمنة في كل زمان.

  «وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ» أي: يضلهم عن هذا التثبيت في الدنيا، وعن الثواب في الآخرة، وقيل: يضل يعاقب «وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ» يعني أنه قادر على فعل ما يشاء وما تقدم من الوعد والوعيد، وفيه زجر وترغيب.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى يثبت المؤمنين لإيمانهم ويعاقب الكفار لكفرهم، فتدل على أن ذلك جزاء على الأعمال خلاف قول الْمُجْبِرَةِ.

  وتدل الآية إذا ضمت إلى ما روي عن النبي صلى اللَّه عليه أنها في سؤال القبر على عذاب القبر وسؤال منكر ونكير وأن عذاب القبر يختص بمن يستحق العذاب دون المؤمنين، وقد روى البراء بن عازب وابن عباس وجماعة أن رسول اللَّه ÷ «كان في جنازة فجعل يحدثهم بأن المؤمن إذا دخل قبره أتاه ملكان فقالا له بعد أن أحياه اللَّه تعالى: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي اللَّه، وديني