التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون 37 ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء 38 الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء 39 رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء 40 ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب 41}

صفحة 3888 - الجزء 5

  وقيل: أنت تعلم ما يكون الذُّرِّيَّة في المستقبل ولا أعلم أنا، عن أبي مسلم، والقاضي.

  وقيل: سألتك وأنت أعلم بالمصالح فافعل بهم ما هو أصلح لهم «وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّه مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ» قيل: هو كلام إبراهيم، عن ابن عباس، والأصم، وأبي مسلم، والقاضي. وقيل: هو ابتداء كلام من جهة اللَّه تعالى لا عن إبراهيم اعتراضا، عن أبي علي.

  ثم عاد إلى حكاية كلام إبراهيم فقال سبحانه: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ» قال القاضي: ليس في الكلام دلالة على أن هذا القول كان عقيب ما تقدم، بل كان بعد ذلك بزمان؛ لأن ذلك كان في ابتداء مولد إسماعيل وولد إسحاق بعد ذلك بزمان، قال ابن عباس: كان بين الدعاءين كذا وكذا سنة، فأما الأصم فذكر أنهما كانا ولدا في هذا الوقت. «إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ» أي: قابله ومجيبه، عن ابن عباس، كقوله: سمع اللَّه لمن حمده «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ» معناه: سأله اللطف الذي عنده يقيم الصلاة ويتمسك بالدين «وَمِنْ ذُرِّيَّتِي» قيل: أراد ذريتي كقوله: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ}⁣[الأعراف: ٥٠] أي: الماء، وقيل: أراد بعضهم، وقيل: أراد محمدًا وأمته، عن الحسن. أي: اجعل في أولادي من تلطف لهم فيقيمون الصلاة، فسأل لهم كما يسأل لنفسه «رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ» أي: أجب، وقيل: تقبل عملي وعبادتي «رَبَّنَا اغْفِرْ لِي» فدعا لنفسه بالمغفرة وإن علم كونه مغَفُورا له، وقيل: انقطاعًا إلى اللَّه، وقيل: أراد زيادة الفضل.

  «وَلِوَالِدَيَّ» فيه ثلاثة أقوال:

  أولها: أنه أراد أباه وأمه الأدنيَين، عند الأكثر، وهو اختيار القاضي، ثم اختلفوا، قيل: كان وعده أن يسلم فلما مات على الكفر تبرَّأ منه، عن الحسن، والأصم، قال