التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار 42 مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء 43 وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال 44 وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال 45}

صفحة 3896 - الجزء 5

  الأصم. «نُجِبْ دَعْوَتَكَ» أي: دعوة الرسل إيانا إلى الدين «وَنَتَّبعِ الرُّسُلَ» إلى ما دعونا إليه، فقال تعالى مجيبًا لهم، ويحتمل أن يكون بعض الملائكة أجابهم توبيخًا وتقريعًا: «أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ» حلفتم «مِنْ قَبْلُ» في الدنيا «مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ» أي: لا بعث وإنما هي الحياة الدنيا، عن ابن عباس، والأصم، والقاضي. وهذا نحو قوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}⁣[النحل: ٣٨] وأمثال ذلك في إنكار المعاد، قيل: لا زوال من الدنيا إلى العذاب ولا عذاب ولم يرد أن لا يموتوا، عن الحسن، وأبي علي، وأبي القاسم. وقيل: لا انتقال من الدنيا إلى الآخرة، عن مجاهد.

  وقيل: لا زوال من الدنيا فيحيا من يحيا ويموت من يموت، عن أبي مسلم. وقيل: لا يموتون، عن قتادة، وهذا يبعد لأن أحدًا من العقلاء لا ينكر الموت.

  ثم زادهم توبيخًا وتقريعًا، فقال سبحانه: «وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ» قيل: سكنتم ديار من كذب الرسل قبلكم فأهلكهمَ اللَّه، عن ابن عباس، والحسن، والأصم. قال أبو مسلم: قالوا هذا وقد سكنوا مساكن من كان قبلهم ممن كانوا أعظم شأنًا، وقيل: مساكنهم [دورهم]، وقيل: قرارهم، عن ابن زيد.

  وقيل: أراد: رأيتم قبورهم بتكذيب الرسل، قيل: هم عاد وثمود، عن قتادة، وقيل: هم من قتلوا ببدر «وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيفَ فَعَلْنَا بِهِمْ» أي: عرفتم ما نزل بهم من البلاء والهلاك والعذاب المعجل بالأخبار، وكانت العرب عارفين بأخبارهم، عن أبي علي. وقيل: بمروركم على منازلهم، عن الأصم. «وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمثَالَ» أي: