التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم 4 ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون 5 وقالوا ياأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون 6 لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين 7 ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين 8 إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون 9}

صفحة 3926 - الجزء 6

  أبي مسلم. قال القاضي: والأقرب أنهم طلبوا نزول الملائكة استعجالاً للعذاب فأجيبوا بما قال، وقيل: «مَا نُنَزِّلُ الْمَلاِئكَةَ» يعني جبريل «إِلَّا بِالْحَقِّ» بالآيات وبالأدلة وحمل الحق أولى «وَمَا كَانوا إِذًا» حين تنزل الملائكة «مُنْظَرِينَ» أي: لا يمهلون ولا يؤخرون.

  ثم بين جواب قولهم «يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيهِ الذّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ» فقال سبحانه: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ» يعني القرآن، عن الضحاك، والحسن «وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» قيل: المحفظ هو القرآن، وقيل: هو محمد، ÷، فأما حفظه ÷، قيل: يحفظه من أعدائه ويعصمه، وقيل: نحفظه بأوليائتا من المؤمنين ممن تبعه، فأما القرآن قاختلفوا في حفظه، قيل: بأن جعله معجزاً لا يجوز فيه الزيادة ولا النقصان، عن قتادة. وقيل: يحفظه من كيد المشركين حتى لا يمكنهم إبطاله، ولا أن يحرفوه، ولا يندرس، ولا ينسى، عن أبي علي. وقيل: تكفل بحفظه على ما هو عليه إلى آخر التكليف، فتنقله الأمة وتحفظه عصرًا بعد عصر إلى آخر الدهر، وقيل: حفظه أن لا ينسخه إلى يوم القيامة كما نسخ سائر الكتب، وقيل: يحفظه بألا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يقع من أحد فيه تغيير وتبديل، والباطل قيل: الشياطين، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: إبليس، وقيل: حافظون لوعده ووعيده حتى يوجد في الآخرة على ما ذكر في الدنيا، وقيل: حافظون لأحكامه.

  · الأحكام: تدل الآية على أنهم نسبوه إلى الجنون، ثم اختلفوا، فالأكثر على أنهم شبهوه وقالوا ذلك لبعد ما كان يدعي عندهم، ثم بين في الآية الثانية لو تفكروا لما نسبوه إلى الجنون، عن القاضي.

  وقيل: بل اعتقدوا فيه ذلك حقيقة، ولذلك قال: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ}⁣[الأعراف: ١٨٤]، عن أبي مسلم.