التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين 10 وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون 11 كذلك نسلكه في قلوب المجرمين 12 لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين 13 ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون 14 لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون 15}

صفحة 3930 - الجزء 6

  ومتى قيل: أليس روي عن جماعة من المفسرين أن المراد بقوله: «نَسْلُكُهُ» الشرك كما رووه عن الحسن، أو التكذيب كما رووه عن ابن جريج، وعن عكرمة المراد به القسوة؟

  فجوابنا: كل ذلك لا يصح، لأن ذلك فعل العبد، ولا يضاف إليه تعالى، ولأنه لم يجر للكفر ذكرٌ، وقد جرى ذكر القرآن، فنسق الكلام يقتضي أنه كناية عن القرآن، ولأنه لو خلق فيهم الكفر والعناد لكانوا معذورين، ولما توجه الذم عليهم، ولما استحقوا العذاب، ولما أفاد البعثة، والآية ذم لهم [واحتجاجٌ] عليهم، فكان على ذلك عذرًا لهم [وإسقاطًا] للَّائمة، ولأن قوله: «لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ» كالمناقضة، لأن الكافر يكون مؤمناً بكفره، قال شيخنا أبو القاسم: ولو حمل على أنهم لا يؤمنون بالشرك لكانوا محمودين «وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ» أي: مضت طريقة الأمم المتقدمة، قيل: كانت الرسل تدعوهم إلى كتب اللَّه، ويسلك اللَّه ذلك في قلوب أممهم لا يؤمنون، كما هو سنة قومك، عن أبي علي، والقاضي. وقيل: سنة الأولين في أن عوجلوا بعذاب الاستئصال لإصرارهم على الكفر، عن أبي علي، وأبي مسلم. وقيل: في إهلاك من أقام على الكفر بعد مجيء ما طلب من الآيات، وقيل: هكذا سنتهم في التكذيب، كما كذبك قومك، عن ابن عباس، وقيل: منهم من تعمد وجحد الرسول بعد اليقين كما في قومك، عن الأصم. وقيل: وقائع اللَّه ممن قبلكم من الأمم، عن قتادة.

  ولما تقدم اقتراحهم الآيات ونزول الملائكة أتبعه بالجواب، فقال سبحانه: «وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ» قيل: على أهل مكة، عن ابن عباس. وقيل: على أهل العناد، عن الأصم. وقيل: على كفار قومه، عن أبي مسلم. «بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ» يعني: تظل الملائكة تصعد وتنزل في ذلك الباب وهم يرونها، عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك، وهو اختيار القاضي. وقيل: يظل هؤلاء المشركون يعرجون إلى