التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن المتقين في جنات وعيون 45 ادخلوها بسلام آمنين 46 ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين 47 لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين 48 نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم 49 وأن عذابي هو العذاب الأليم 50}

صفحة 3960 - الجزء 6

  على عادة القرآن في اقتران الوعد والوعيد، فقال سبحانه: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ» قيل: من يتقي الكبائر، عن ابن عباس وجماعة. وقيل: المتقي اسم يشتمل على صفات المؤمنين، عن أبي مسلم. «فِي جَنَّاتٍ» بساتين «وَعُيُونٍ» قيل: عيون الماء، وقيل: الأنهار التي ذكرها اللَّه تعالى في قوله: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ}⁣[محمد: ١٥] الآية، «ادْخُلُوهَا» إباحة وقيل: إنه أمر، وهو الصحيح «بِسَلاَمٍ» أي: بسلامة، وهو البراءة من كل آفة ونيل كل محبوب «آمِنِينَ» أي: يأمن كل ما يكره «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» قيل: في الجنة، عن ابن عباس، والحسن، وأبي علي، وأبي القاسم. ليعلم أن الآخرة بخلاف الدنيا، ثم اختلفوا، فقيل: برفع الدواعي، وقيل: بالاستغناء، وقيل: يكون ذلك في الموقف قبل دخول الجنة، وقيل: في الدنيا بالتقوى بنزع غل الجاهلية، عن الأصم. «مِنْ غِلٍّ» أي: من خيانة وغدر، عن أبي مسلم. وقيل: هو الحقد، عن الزجاج. وقيل: الحسد والتباغض، عن الحسن.

  وقيل: العداوة، عن الضحاك. وعن علي (كرّم اللَّه وجهه): إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله سبحانه: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}، فقال رجل من همدان: إن اللَّه أعدل من ذلك، فصاح عليهم صيحة واحدة، ثم قال: إذا لم يكن نحن فمن! «إِخْوَانًا» في المودة والإخلاص، هم كالإخوان «عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» أي: يقابل بعضهم بعضاً لا ينظر أخد منهم في قفاء أخيه «لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ» أي: لا ينالهم فيها تعب، وقيل: حزن «وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ» أي: لا يخرجون من الجنة أبداً «نَبِّئْ عِبَادِي» أخبر يا محمد عبادي «أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» لمن تاب «وَأَنَّ