التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون 117}

صفحة 565 - الجزء 1

  · الإعراب: «فيكون» يرفع وينصب، فالرفع من وجهين: أحدهما: العطف على (يقول)، والثاني: الاستئناف، أي فهو يكون، والنصب على جواب الأمر، وقيل: هو بعيد.

  · المعنى: لما تنزه عن اتخاذ الولد، ودل عليه بخلق السماوات والأرض، أكد ذلك، فقال تعالى: «بَدِيعُ» يعني: مُنْشِئٌ لا على مثال، وبديع ومبتدع بمعنى، غير أن في «بديع» مبالغة للعدول فيه، ولأنه يدل على استحقاق الصفة في غير حال الفعل، على تقدير أن مِنْ شأنه الإبداع، فهو في ذلك بمنزلة سامع وسميع، ومعنى بديع ومنشئ أنه خالق ذلك عن عدم، لا على مثال، ولا عن سبب، بل أوجدها ولم تكن قط، قال السدي: خلقها، ولم يخلق قبلها شيئًا فيتمثل به: «وَإذَا قَضَى أَمْرًا» قيل: خلق أمرًا، عن أبي علي وأبي القاسم، وقيل: حتم وحكم بأنه يفعل أمرًا، وقيل: أحكم أمرًا، قال الشاعر:

  وَعَلَيِهْمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا ... دَاوُودُ أو صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ

  وقيل: حكم حكمًا في عباده، عن الأصم، والأول أوجه، وإنما يقول له: «كن فيكون» اختلفوا فيه على وجوه:

  الأول: وهو أصحها وأوضحها أنه بمنزلة التمثيل، وحقيقة معناه: أن منزلة الفعل في تسهيله عليه وانتفاء التعذر بمنزلة ما يقال: كن فيكون، ولهذا نظائر كثيرة، فمن ذلك قولهم: قال بيده وبرأسه، قال تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ١١}.

  قال الشاعر:

  امْتَلَأَ الحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي ... مَهْلاً رُويدًا قَد مَلأتُ بَطَنْيِ