التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون 38 ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين 39 إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون 40}

صفحة 4035 - الجزء 6

  · المعنى: ثم حكى تعالى عنهم كفرا آخر، فقال سبحانه: «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ» أي: حلفوا بِاللَّهِ «جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ» أي: مجتهدون في يمينهم، أي: حلفوا وكذبوا متعمدين لا على سبيل اللغو من غير اعتقاد «لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ» أي: لا يحييهم بعد الموت ولا يقيمهم من قبورهم للجزاء والحساب، «بَلَى» هو كلام اللَّه تعالى رداً عليهم وتكذيباً لهم، وتقديره: ليس كما تقولون بل يبعثهم بعد موتهم «وَعْدًا عَلَيهِ حَقًّا» قيل: وعداً منه حقًّا، وقيل: وعده وعداً عليه إنجازه وتحقيقه من حيث الحكمة؛ إذ لولا البعث لما حسن التكليف، لأن التكليف إنما يحسن للثواب من حيث عرض له، ولا يجوز الإثابة إلا مستحقة، فإذا لم يثبت في الدنيا فلا بد أن يعيدهم لذلك، وقيل: لما خلى بين الظالم والمظلوم في الدنيا وجب البعث للانتصاف «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» أنه مبعوث، وأن اللَّه تعالى قادر على ذلك، فهم متمكنون من المعرفة، فإذا لم يعرفوا استحقوا الذم والعقاب «لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ» قيل: هو يتصل بقوله: «بلى» يعني: بل يبعثهم «لِيُبَيِّنَ لَهُمُ» لهَؤُلَاءِ المشركين الَّذِينَ أقسموا بِاللَّهِ لا بعث، الَّذِينَ يختلفون فيه من البعث، وقيل: ليميز بين العالم الموحد والجاهل المشرك، وقيل: ليبين لهم جميعِ ما اختلفوا فيه من أمور دينهم ويميز الحق من الباطل «وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كفَرُوا أنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ» في قولهم «لاَ يَبْعَثُ اللَّه مَنْ يَمُوتُ» وقيل: اعتقادهم الكفر، وإنما يظهر في الآخرة أنهم كذبوا