التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون 41 الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون 42}

صفحة 4039 - الجزء 6

  وقيل: لما تقدم أنه لا يبعث، بين بعده حكمه يوم البعث في خلقه، وأنه ينتصف للمظلوم وينتقم من الظالم.

  · المعنى: «وَالَّذِينَ هَاجَرُوا» أي: هجروا ديارهم وعشائرهم، والهجرة وإن كان في أصل اللغة من المهاجرة فقد صار في الشرع اسم مدح لمن خرج من دياره وأمواله وعشائره في دين اللَّه وابتغاء مرضاته، ولذلك لا يطلق في كل خروج، «فِي اللَّهِ» في دينه ومرضاته «مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا» قيل: عذبوا، وقيل: أخرجوا من ديارهم وأموالهم «لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً» أي: ننزلهم من الدنيا منزلاً كريماً، وقيل: لنحسنن إليهم في الدنيا ونعطيهم «وَلأَجْرُ الآخِرَةِ» أي: جزاؤهم في الآخرة «أَكْبَرُ» أي: أعظم وقيل: لنبوئنهم ننزلهم، عن أبي علي وقيل: لنمكنن لهم، عن أبي مسلم «لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» قيل: لو علم الكفار ذلك لآمنوا ولبادروا إلى اتباعك، وقيل: لو يعلم المؤمنون تفاصيل ذلك لازدادوا سرورًا وحرصاً على الطاعة.

  ثم وصف الَّذِينَ هاجروا، فقال سبحانه: «الَّذِينَ صَبَرُوا» قيل: على طاعة اللَّه، وقيل: على ما ينالهم في الدين من الأذى «وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» أي: يكتفون بعلم اللَّه بحالهم، ويتقون بلطفه وتدبيره، فبين أن مجرد الهجرة لا تكفي ما لم ينضم [إليها] الصبر على طاعاته وعن معاصيه والتوكل عليه في جميع أموره.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الجنة لا تنال الا بهذه المعاني، فيدخل فيه جميع خصال الإيمان خلاف قول المرجئة.

  وتدل على أن الهجرة إنما تنفع وتقع عبادة إذا فعل لله تعالى.