التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون 48 ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون 49 يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون 50}

صفحة 4047 - الجزء 6

  يميل، عن ابن عباس، فلكل جسم ظل لازم لا يقدر على الامتناع منها «عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ» قيل: في أول النهار وآخره، عن قتادة، والضحاك، وابن جريج، وذلك لأنه بالغداة يتقلص من جهة اليمين، وبالعشي يتقلص من جهة الشمال «سُجَّدًا لِلَّهِ» أي: خاضعة له بما فيها من الدلالة إلى حاجتها إلى صانع ومدبر، وقال الحسن: أما ظلك فيسجد لله، وأما أنت فلا تسجد لله، بئس واللَّه ما صنعت.

  «وَهُمْ دَاخِرُونَ» خاضعون أذلاء، فنبه أنه إذا كان جميع الأشياء تخضع له فكيف لا يسجدون هَؤُلَاءِ.

  ثم بين ذلك، فقال سبحانه: «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ» يخضع حتى يصير كيف شاء لا يمتنع على تصرفه شيء «مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ» كل حيوان يدب، وذكره لتغليب ما لا يعقل على ما يعقل من جهة العدد، فخضوع المؤمن اعترافه بِاللَّهِ وعبادته، وخضوع الكافر اعتقاده في الجملة أن له مدبرًا، وخضوع ما لا يعقل هو ما يدل عليه خلقته وآثار صنعته، وأنه يصرفه كيف شاء «وَالْمَلَائِكَةُ» أي: تسجد الملائكة له طوعاً، وأفردهم بالذكر تشريفاً، وصفة ملك صفة مدح، لأنه بمنزلة قولنا: رسول، لأنه مأخوذ من الرسالة، قال الشاعر:

  أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَيْرُ الرَّسُولِ ... أَعْلَمُهُمْ بِنَوَاحِي الْخَبَرِ