قوله تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون 64 والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون 65 وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين 66}
  أبي مسلم. «وَهُدًى» أي: دلالة على الحق، وقيل: دلالة على نبوتك، وقيل: هدى لمن اهتدى به إلى الجنة والرحمة ثواباً ومنفعة، وقيل: نعمة في الدين «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» خصهم بذلك لأنهم انتفعوا به وإلا فهو عام لجميع المكلفين، عن أبي علي، وقيل:
  هو رحمة للمؤمنين لما فيه من الوعد، وعذاب الكافرين لما فيه من الوعيد، عن الأصم.
  ثم عاد إلى ذكر دلائل التوحيد، فقال سبحانه: «وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً» يعني:
  المطر «فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ» بالنبات، وهو توسع من «بَعْدَ مَوْتِهَا» يبسها وجدوبتها، وذكر الموت والحياة توسع، «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً» لحجج «لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» قيل: يسمع سماع قبول لا سماع آذان، وقيل: تسمعون تقبلون كقولهم: سمع اللَّه لمن حمده، وخصهم به لأنهم المنتفعون به.
  ثم عطف عليه بدلائل أخر، فقال سبحانه: «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ» الإبل والبقر والغنم، وقد كرر اللَّه تعالى في هذه السورة ذكرها لما فيها من بيان القدرة وأنواع النعمة، قال الأصم: وجمع بين الذكران والإناث، ثم أخبر أنهما سبب لنزول اللبن، لأن اللبن لا يكون إلا من الفحول والإناث، «لَعِبْرَةً» عظة واعتبار، فبين وجوهًا من وجوه الاعتبار مضموماً إلى سائرها، وهو أنه يسقي «مِمَّا فِي بُطُونِهِ» قيل: فيه إضمار أي: نسقيكم مما في بطونه اللبن إذ ليس كلها ذات لبن «مِنْ بَينِ فَرْثٍ» وهو السرجين في الكرش «وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا» أي: خلص من الفرث والدم فلم يختلط بهما لوناً وطعماً ورائحة «سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ» أي: هنياً جارياً في الحلق لا يغص فيه، وقيل:
  لم يغص أحد باللبن قط، قال ابن عباس: إذا أكلت الدابة العلف واستقر في كرشها طحنته فكان أسفله فرث، وأوسطه اللبن، وأعلاه الدم الذي يجري في العروق، واللبن إلى الضرع، وينزل الفرث كما هو، ووجه العبرة في اللبن خروجه من بين الفرث والدم، ودروره في الضرع، ولونه الخالص، واغتذاء الولد به حال ضعفه.