التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون 67 وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون 68 ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون 69}

صفحة 4069 - الجزء 6

  طعماً، عن الأخفش، وأبي عبيدة. أي: تتخذون أصنافاً من الأطعمة، وقيل: هو استفهام أي: أتتخذون منه سكرًا محرماً وقد جعلنا لكم فيه رزقاً حسناً حلالاً، وقد يحذف ألف الاستفهام إلا أنه لا يجوز حذفه إلا وفي الكلام ما يدل عليه والوجه هو الأول. «إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً» لحجة «لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» أي: لكل عاقل تفكر فيه، لأنه إنما يستدل ذووا العقول «وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ» قيل: ألهمها إلهاماً، عن ابن عباس، ومجاهد، وقيل: جعل ذلك غرائزها، أي: أخفى مثله عن غيرها، وذلك إيحاء في اللغة، عن الحسن، وقيل: أرشدها إلى مصالحها، عن الأصم. «إِلَى النَّحْلِ» [زنابير العسل] واحدها: نحلة، كقولهم: نحل ونحلة «أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا» أي: مساكن وأعشاشاً «وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ» يبنون «ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ» قيل: ذكر الكل وأراد البعض، كقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[النمل: ٢٣] وكقوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}⁣[الأحقاف: ٢٥] عن ابن زيد. «فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا» قيل: ادخلي ومري في طرق ربك «ذُلُلاً» أي: مذللة، قيل: طرقاً موطأة للنحل لا يتوعر عليها سلوكها، فالذلل من صفة السبل، عن مجاهد وجماعة، وقيل: ذلك كل شيء لك قدره لرزقك مع ضعفك وضعف قدرك، وقيل: فاسلكي ذللاً أي: مطيعة لله مسخرة، عن قتادة، فهو على هذا من صفة النحل «يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا» أي: من بطون النحل، وهي جمع فلذلك أنث الكناية «شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ» وهو العسل، وقيل: مختلف ألوان الثمار كلون التمر والعنب، عن الأصم، فمنه أبيض، ومنه أسود، ومنه أحمر، ومنه أصفر، ويحتمل الألوان أجناس التمر والعنب، وإذا كان الطعام واحد والألوان مختلفة واختص بطعم لذيذ دل على تدبير حكيم قادر على ما يشاء، ومن لطيف تدابيره أن ألهم كل دابة منافعها، واجتناب مضارها، وطلب أرزاقها، والسلوك إلى بيوتها وأوكارها «فِيهِ» قيل: في الشراب المتقدم ذكره، وعن الحسن أنه