التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير 70 والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون 71 والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون 72}

صفحة 4073 - الجزء 6

  · النزول: قيل: نزل قوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ} الآية في نصارى نجران حين قالوا: عيسى ابن اللَّه، عن ابن عباس. قال الحسن والضحاك: أراد من يعبد المسيح وغيره من عباده.

  · المعنى: لما تقدم ذكر النعم في الآية المتقدمة بين نعمه في الأنفس وتدبيرها، وبين بعدها أنه خلق هذه النعم للعباد، وأنه فضل في ذلك بحسب المصلحة، فقال سبحانه: «وَاللَّهُ خَلَقَكمْ» أحياءً بعد أن كنتم نطفاً، وقيل: خلقكم بأن أوجد أجزاءكم «ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ» أي: يميتكم بعد كونكم أحياء وطفلاً وشاباً وكهلاً «وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ» أي: يبقيه حتى يصير إلى أرذل العمر وأدونه، وهو حال الهرم والخرف، فيظهر النقصان في جوارحه وعقله، وقيل: إنه يصير كذلك إذا بلغ تسعين سنة، عن قتادة، وقيل: أرذل العمر خمس وسبعون سنة، عن علي #. «لِكَي لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيئًا» أي: لينْسَى ما كان علم فلا يعلم شيئاً ولا يعقل، وقيل: ليقل علمه بخلاف ما كان في أول شبابه «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ» بالمصالح، كذلك اختلفت هذه الأحوال فدبرها بحسب ما علم من المصالح «وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ» ذكر نعمة أخرى، وبين أنه يعلم من مصالحهم ما لا يعلمون، فيفضل بعضهم على بعض فيما أعطاه، فجعل بعضهم مالكاً وبعضهم مملوكاً، وغنياً وفقيرًا، وخادماً ومخدوماً، ثم دل بجميع ذلك على الوحدانية، وأكد ذلك بقوله: «فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا» أعطوا الزيادة «بِرَادِّي رِزْقِهِمْ» أي: لا يردون مما أعطوا «عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ» وهم المملوكون من العبيد والإماء، واختلفوا في معناه على قولين:

  أولهما: أنهم لا يشركون عبيدهم في أموالهم وأرزاقهم حتى يستووا هم وعبيدهم، ولا يرضون بذلك لأنفسهم، ويرون ذلك نقصاً، وهم يشركون عبيدي