التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير 70 والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون 71 والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون 72}

صفحة 4074 - الجزء 6

  في ملكي وسلطاني، عن ابن عباس، ومجاهد، والأصم، وأبي علي، وأبي مسلم، وقتادة. قال ابن عباس: يقول: إذا لم ترضوا أن تجعلوا عبيدكم شركاءكم فكيف جعلتم عيسى إلهاً معه وهو عبده، وقيل في الشاهد: لا يُحِبُّ أحد أن يساويه غيره في المال والجاه للمفاخرة التي تظهر، فخالق الخلق كيف يساويه العبيد مع قصورهم.

  وثانيها: قيل: إنهم سواء في أني رزقت الجميع، وأنه لا يمكن أحد أن يرزق عبدي إلا برزقي.

  «أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» استفهام والمراد الإنكار أي: هو المنعم فلماذا تجحدون نعمه.

  ومتى قيل: كيف وصفهم بالجحود مع اعترافهم به؟

  فجوابنا: لاعتقادهم الشريك له، ولا فرق بين أن يضيف كل النعم إلى غيره، وبين أن يضيف بعضها إلى غيره في أنه لا يصح أن يعلم أنه المنعم مع وجوب الاعتقاد بأنه وحده المنعم، وهذا كما تقول: من يقول إن شيئاً يثبت بالطبع لا يمكنه إثبات الصانع كمن قال جميعه بالطبع، وأيضاً فإن العبادة تجب لهذه النعم، فمن عبد غيره فقد جحد النعم، ولا يعترض على هذا بنعم بعضنا على بعض، لأنا لا نقدر في أصول النعم كالخلق والحياة والشهوة والمشتهى، وإنما بنقل النعم، وذلك منه أيضاً تعالي.