قوله تعالى: {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم 76 ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير 77 والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون 78}
  بين الرجلين لا يسوى بين اللَّه تعالى وبين الأصنام، عن أبي علي. و «رَجُلَينِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ» أخرس لا يقدر على الكلام، ولا يَفهم ولا يُفهم «لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيءٍ» أي: لا يملك شيئاً يقدر على التصرف فيه «وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ» أي ثقل ووبال على مولاه الجاهل ولايته، عن أبي عمرو وغيره. «أَيْنَمَا يُوَجِّهِ» يرسله إلى موضع «لاَ يَأْتِ بِخَيرٍ»؛ لأنه لا يفهم ما يقال له، هذا مثل الصنم، لا تسمع، ولا تنطق، ولا تعقل، «وَهُوَ كَلٌّ عَلَى» عابده يخدمه ويخدمونه «هَلْ يَسْتَوِي» أي: لا يستوي «هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ» قيل: هل يستوي هو مع كل حي عالم قادر متمكن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وقيل: هل يستوي هذان: من يعبد اللَّه ومن يعبد دونه، قيل: ومن يأمر بالعدل هو اللَّه تعالى، لأنه قادر عالم حي حكيم متكلم، وقيل: هو رسول اللَّه يأمر بالإسلام «وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» أي: طريق واضح فيما يأتي ويأمرهم.
  ثم أكد ما تقدم بما ذكر من وصف نفسه، فقال سبحانه: «وَلِلَّهِ غَيبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» يعني علم الغيب، والتشبيه لأجل العلم، وقيل: التشبيه لأجل القدرة، أي: أنه المالك لها القادر على إظهارها لعباده، ثم من الأمور الغائبة وأعظمها وأهمها القيامة، ولما فيه من الوعيد والجزاء بدأ به فقال سبحانه: «وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ» القيامة «إِلَّا كلَمْحِ الْبَصَرِ» أي: كنظرة البصر، كناية عن سرعته وقدرته على ذلك «أَوْ هُوَ أَقْرَبُ» قيل: هو على شك المخاطب، أي: كونوا فيها على هذا الشك، وقيل: معناه: بل هو أقرب، وقيل: بل هو بيان عن إحدى المنزلتين إما لمح البصر أو أقرب «إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» مبالغة من صفة قادر.
  ثم بين دلالة أخرى، فقال سبحانه: «وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ» أي: صوركم في بطون أمهاتكم ثم أخرجكم منها «وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ»