التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون 79 والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين 80 والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون 81}

صفحة 4086 - الجزء 6

  فكنى عن الشر ولم يذكره لأنه مدلول عليه، عن الفراء، وأبي علي. وقيل: الَّذِينَ خوطبوا به أصحاب حر، وكان حاجتهم في بلادهم إلى ما يقي الحر أشد، وكذلك خصه بالذكر، عن عطاء.

  والكنايات في قوله: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} إلى الأنعام.

  {أَثَاثًا وَمَتَاعًا} نصب ب (جعل) أي: جعل لكم أثاثاً ومتاعاً.

  · المعنى: ثم عطف على ما تقدم من الأدلة على توحيده بأدلة أخرى، فقال سبحانه: «أَلَمْ تَرَوْا» أيها السامعون، وبالياء هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تقدم ذكرهم «إِلَى الطَّيْرِ» وهو اسم للجنس «مُسَخَّرَاتٍ» مذللات «فِي جَوِّ السَّمَاءِ» قيل: في كبد السماء، عن قتادة، وقيل: في الهواء بين الأرض والسماء «مَا يُمْسِكُهُنَّ» في الهواء «إلّا اللَّهُ» وإنما أضاف الإمساك إلى نفسه لأنه أعطاه القدرة وآلة الاستمساك وجعل الهواء بحيث يصح الإمساك فيه فهو الذي يمسكه بذلك «إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» وخصهم به لأنهم المنتفعون به، وقيل: لأنهم يحتجون به على مخالفي التوحيد ويدلونهم بها، «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا» أي: مسكناً تسكنون فيه، وهو إما أن يتخذ من الحجر والمدر، وهو فعل اللَّه تعالى وجعلها بحيث يمكن اتخاذ الأبنية منها للمقيمين «وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا» يعني الخيام والقباب والفساطيط، الذي تتخذ من الأنطاع والأدم، ومن الشعر والوبر للسفر والحضر، عن أبي علي، وقيل: أراد ما ينبت من الشعر ويحتمل أن يعم بيوت الأدم وبيوت الشعر وبيوت الصوف [لكونها]

  هذه من الجلود ثابتة لأنفسها، عن الأصم. «تَسْتَخِفُّونَهَا» أي: تخف عليكم «يَوْمَ ظَعْنِكُمْ» رحلكم وسفركم «وَيَوْمَ إِقامتِكمْ» في بلادكم أي: لا تثقل في الحالين «وَمِنْ