التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون 95 ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون 96 من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون 97}

صفحة 4107 - الجزء 6

  وقيل: جلس ناس من أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الأوثان، فقال هَؤُلَاءِ:

  نحن أفضل، وقال هَؤُلَاءِ: نحن أفضل، فأنزل اللَّه تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا} الآية، عن أبي صالح.

  · المعنى: لما تقدم النهي عن نقض العهد أكده بالنهي عن نقضه لغرض يأخذه، فقال سبحانه: «وَلاَ تَشْتَرُوا» ولا تستبدلوا «بِعَهْدِ اللَّهِ» قيل: عهده ما أمر به من التناصر والتعاون والعمل بطاعته، أي: لا تأخذوا على ذلك شيئاً من دنياكم فإنه قليل في جنب ما فاته من الثواب الدائم، عن أبي مسلم، وقيل: لا تحلفوا كاذبين لتأخذوا عرضاً من أعراض الدنيا، عن أبي علي، وقيل: لا تنقضوا عهودكم التي تعاهدون تبتغون بنقضها «ثَمَنًا قَلِيلًا» من مال أو زيادة عدد على ما تقدم «إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» يعني ما يعطيكم اللَّه مما أعد لكم على الوفاء بالعهد جزاء «خَيْرٌ لَكُمْ» من حطام تجمعونه «إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» فضل ما بين العوضين، وقيل: إن كنتم تعلمون أن الآخرة حق، عن الأصم، وقيل: إن كنتم تعلمون أن ذلك على ما نبينه لكم، عن أبي علي.

  ثم بين فضل ما بينهما، فقال سبحانه: «مَا عِنْدَكُمْ» من الدنيا «يَنْفَدُ» أي: يفنى وينقطع «وَمَا عِنْدَ اللَّهِ» من الثواب يبقى، وإنما لا ينفد حث على الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة «وَلَنَجْزِيَنَّ» أي: لنكافئن «الَّذِينَ صَبَرُوا» قيل: على الوفاء بالعهد في السراء والضراء، وقيل: صبروا على تحمل المشاق في الإقدام على طاعته والانتهاء عن معاصيه، وقيل: صبروا فلم يحلفوا بالباطل وردوا الحق إلى أهله، عن الأصم. «أَجْرَهُمْ» جزاءهم «بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» قيل: الأحسن نعت لعمله أن يجازيهم على أحسن أعمالهم وهو حسناتهم، عن الأصم، وأبي علي. وهو الواجبات والمندوبات دون المباحات، فإنه لا جزاء فيها، وقيل: هو نعت للأجر؛ يعني نجازيه ذلك الأجر أحسن من عمله، لأن الثواب لا يوازنه شيء «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا» أي: طاعة