التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم 98 إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون 99 إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون 100}

صفحة 4111 - الجزء 6

  · المعنى: «فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ» قيل: أردت قراءة القرآن فاستعذ كقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا}⁣[المائدة: ٦] عن أكثر المفسرين، وقيل: معناه إذا كنت قارئاً للقرآن فاستعذ، عن ابن جرير، وقيل: هو على التقديم والتأخير، يعني استعذ بِاللَّهِ إذا قرأت القرآن، والأول الوجه، وعليه أكثر المفسرين. «فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ» أي: اطلب الملجأ من اللَّه، وافزع إليه حتى تتخلص من السهو والغفلة والأَفكار الفاسدة «مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ» قيل: اللعين، قيل: المبعد من الرحمة، وقيل: المرمي بالشهب «إِنَّهُ» يعني الشيطانَ «لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ» قيل: حجة، عن مجاهد، وقيل: طريق يتسلط به عليه «عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» يتقون به.

  ومتى قيل: الاستعاذة بِاللَّهِ والتوكل عليه سواء، فلم عطف أحدهما على الأخرى؟

  قلنا: أمر الرسول بالاستعاذة، ثم قطع بأنه لا سلطان له على المتوكل عند القراءة وغيرها ترغيباً في الاستعاذة والتوكل.

  وقيل: أمر بالاستعاذة عند القراءة، ثم حث على التوكل في جميع الأمور.

  وقيل: لاختلاف اللفظين، ولأن التوكل أعم.

  «إِنَّمَا سُلْطَانُهُ» قيل: قوته، وقيل: حجته «عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ» قيل: يتولون الشياطين باتباعهم واتباع أمرهم، والقبول منهم «وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ» قيل: الَّذِينَ هم بِاللَّهِ مشركون، عن الضحاك، والربيع، واختيار القاضي، و (به) كناية عن اسم اللَّه تعالى، وقيل: (به) كناية عن اسم الشيطان، يعني الَّذِينَ هم بالشيطان مشركون، واختلفوا في معناه، فقيل: الَّذِينَ هم بطاعته فيما يدعو إليه من عبادة الأوثان مشركون، وقيل: الَّذِينَ هم من أجله وبسببه مشركون.