التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم 106 ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين 107 أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون 108 لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون 109}

صفحة 4121 - الجزء 6

  يسمى فرعون، وما زال به حتى أعطاهم بلسانه، ورجع، ففيه نزلت الآية، عن ابن سيرين.

  وقيل: نزلت في جابر مولى عامر بن الحضرمي، أكرهه سيده على الكفر فكفر ثم أسلم مولاه، وحسن إسلامهما، وهاجر مع سيده، عن مقاتل.

  وقيل: إن ياسر وسُمَيّة أبوا عمار أول شهيدين في الإسلام.

  · النظم: يقال: كيف تتصل الآية بما قبلها؟

  قلنا: قال أبو مسلم، قوله: {مَنْ كَفَرَ} عائداً على المضمرين في قوله:

  {إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} والمراد أهل الكتاب الَّذِينَ أنكروا نسخ شرائعهم بعد أن كانوا يعرفون محمداً، قال: ويحتمل أن يكون عاماً في جميع الكفار، وقيل: إنه يتصل بقوله: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ}.

  · المعنى: «مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ» أي: من ارتد عن دين اللَّه - يعود إليه - بعد ما قبله ودخل فيه، وقيل: في الآية تقديم وتأخير، تقديره: من كفر بِاللَّهِ وشرح بالكفر صدرًا فعليهم غضب، ثم استثنى، فقال: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ» على الكفر فكفر بلسانه، فحذف وقدم وأخر لدلالة الكلام عليه «وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ» يعني ساكن القلب إليه معتقداً له فلا حرج عليه، فحذف لدلالة الكلام عليه «وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا» يعني يقبل الكفر بقلبه، مختارًا أو يعتقده تدينا، ويتوسع قلبه استحباباً، فهذا شرح الصدر بالكفر «فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ» أي: عقابه وإرادة عقابه «وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» في النار «ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ» يعني من شرحوا صدورهم بالكفر «اسْتَحَبُّوا» اختاروا وآثروا «الْحَيَاةَ الدُّنْيَا» وملاذها ونعيمها «عَلَى الآخِرَةِ» وثوابها يعني على الإيمان الذي هو