قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم 106 ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين 107 أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون 108 لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون 109}
  وتدل على قبح اختيار الدنيا على الآخرة، وأن من فعله خاسر حيث حرم الجنة واستوجب النار الدائمة، نعوذ بِاللَّهِ منها.
  (مسائل في الإكراه وهي ستة فصول)
  أما الأول ففيه مسائل:
  منها: لا خلاف أن الإكراه يقر التكليف، وإنما اختلفوا في كيفية ذلك، فعندنا الإكراه لا يبيح المحظور، وعند بعضهم يبيح، فأما إذا أكره على الكفر بقتل أو تلف عضو أو ضرب لا يحتمله فله إظهاره بالاتفاق، ثم اختلفوا على ثلاثة أوجه:
  قيل: يباح له ذلك الكذب.
  وقيل: لا يباح، وهو قبيح، ولكن يصير معذورًا للإكراه.
  وقال آخرون: بل الإكراه لا يؤثر في حكم الكذب، إنما يجوز أن يأتي بقول يدفع القتل عن نفسه، ولا يقصد الكفر، فيعرض نحو أن يكره على أن يقول: اللَّه ثالث ثلاثة، فيقول، ويريد أن النصارى يقولون ذلك.
  مسألة فإن لم يخطر المعاريض بقلبه، اختلفوا فقيل: يباح له إظهار كلمة الكفر، وقيل: يعذر في إظهاره، وقيل: لا بد أن يتذكر المعاريض، لأنه من كمال العقل، وقيل: اللَّه تعالى يخطر بباله، وإلا كان تكليف ما لا يطاق.
  مسألة فإن خطر بباله التعريض فعرض فلا شيء عليه بالاتفاق، وإن لم يعرض كفر، ولزمه أحكام المرتدين، ذكره محمد بن الحسن.
  ومتى قيل: فأي تأثير للإكراه؟
  قلنا: إظهار هذه الكلمة من غير إكراه كفر في الظاهر، ومع الإكراه ليس بكفر.