قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم 106 ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين 107 أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون 108 لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون 109}
  فإن قيل: أليس أباح ما كان محرماً؟
  قلنا: هو أتى بصدق لينجي نفسه إلا أنه في حال الاختيار لا يصدق، والإكراه على المذاهب الباطلة حكمه ما ذكرناه.
  فَأَمَّا الفصل الثاني: صفة المكره، فالأصل أن الأنبياء لا يجوز عليهم التقية في الدين لما فيه من التنفير وفوت المصالح، فإنْ أكرهوا على الكفر فكفروا فذلك ينفر عنه، والغرض بالبعثة القبول، وإن أكره على ترك الأداء، وكتمان الشرع، فلا يجوز ألبتَّة، لأنه يفوت المصالح، وينقض الغرض بالبعثة.
  فأما الإمام منهم من يجوز عليه التقية، ومنهم من لا يجوز، ومن جوز قال: لا بد من أمارة تدل عليه.
  فأما ما تقوله الإمامية في التقية فشيء عظيم يؤدي إلى الشك في الدين لأنهم يجوزون، ولم يظهر هناك أمارة لضرب من النفع، ويجوزون على الأنبياء والأئمة.
  وثالثها: صفه المكره، فمنهم من قال: الإكراه لا يصح إلا من سلطان، ومنهم من قال: يصح من كل متغلب، واختلفوا، فالأكثر على أنه إذا ظن أنه يمكنه إيقاع ما أكرهه به يكون إكراهاً، وإن لم يكن كذلك لم يكن إكراهاً.
  ورابعها: لا خلاف أن التخويف اليسير ليس بإكراه والكثير إكراه، وقد يختلف فيما يكره عليه، فإن أكره بقتل أو تلف عضو، فهو إكراه في جميع المواضع، وإن أكره بضرب أو حبس ففيه ثلاثة أقوال، قيل: هو إكراه كالقتل، وقيل: ليس بإكراه، كالتخويف اليسير، وقيل: هو إكراه في الأموال كالبياعات والأقارير ونحوها، وليس بإكراه في القتل والكفر، وهو قول أبي حنيفة، وهو الصحيح.