قوله تعالى: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم 110 يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون 111 وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون 112}
  وقيل: من بعد الهجرة والجهاد، وقيل: أراد أن الجنة والمغفرة لا تنال إلا بالهجرة والجهاد والصبر «لَغَفُورٌ» لما سلف «رَحِيمٌ» يدخلهمْ الجنة، وقيل: هاجروا قرناء السوء بعد ما ظهرت الفتنة في صحبتهم وجاهدوا أنفسهم على ملازمة أهل الخير، وصبروا على ذلك «يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ» يعني يوم القيامة «تُجَادِلُ» تخاصم «عَنْ نَفْسِهَا» وتحتج أي: يشتغل كل واحد بنفسه لا يتفرغ لغيره، ومجادلتهم قول الأتباع: {هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا}[الأعراف: ٣٨] وقول المتبوعين {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ}[سبأ: ٣٢] ونحوها، وقول الجميع: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الانعام: ٢٣] وقيل: تحتج عن نفسها بما تقدر إزالة العقاب عنها «وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ» أي: يوفى على كل أحد جزاء ما عمل «وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ» بزيادة عقاب لا يستحقه، أو نقصان ثواب مستحق «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً» قيل: مكة، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، حين أخرجوا النبي ÷ وأصحابه، وقيل: أراد أهل مكة فحذف لدلالة الكلام عليه، وقيل: «قَرْيَةً كَانَتْ» في الأمم الماضية على هذه الصفة، عن الأصم، وكانت «آمِنَةً» لا يقاتلهم أحد، ولا يأتيهم سوء «مُطْمَئِنَّةً» ساكنة «يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا» واسعاً «مِنْ كُلِّ مَكَانٍ» أي: يحمل إليها من البر والبحر «فَكفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ» قيل: كفرت بتكذيب النبي ÷، وهو من النعم، وقيل: كفرت بأنعمه «فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ» قيل: ذكر اللباس لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوب اللون، وسوء الحال ما هو كاللباس، وقيل: بلغ القحط بهم إلى أن أكلوا القد والعلهز، وإنما قال: (أَذَاقَهَا) لأنه يجده وجدان الذائق، وقيل: لأنه يتجدد عليه إدراكه كما يتجدد على الذائق، وقيل: في الجوع منعوا المطر والميرة حتى جهدوا، وقيل: ابتلاهم بالجوع سبع