التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم 119 إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين 120 شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم 121 وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين 122 ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين 123}

صفحة 4136 - الجزء 6

  ولما كان القوم ينتحلون سنة إبراهيم احتج عليهم به وبطريقته فقال سبحانه: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا» قيل: قدوة ومعلم الخير، عن ابن مسعود، وقيل: إمام هدى، عن قتادة، وقيل: سماه أمة لأنه قام بعمل أمة، وقيل: لأن قوام الأمة كان به، وقيل: انفرد في دهره بالتوحيد فكان مؤمناً وحده والناس كفار، فسمي أمة، عن مجاهد، والأصم.» قَانِتًا لِلَّهِ «قيل: مطيعاً لله، عن ابن مسعود، وقيل: القانت القائم بجميع ما أمر به، وقيل: المصلي، عن الحسن، وقيل:» حَنِيفًا «مستقيماً على دين الإسلام» وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، شَاكِرًا «أي: وكان شاكرًا لأنعم ربه «اجْتَبَاهُ» أي: اصطفاه واختاره لخلته، ورسالته، «وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» قيل: دله إلى خير مستقيم، وهو التوحيد والإسلام، عن الأصم، وقيل: هداه إلى الجنة، عن أبي مسلم، وقيل: هداه إلى ما حمله من الرسالة «وَآتَينَاهُ» أعطيناه «فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً» قيل: الرسالة والنبوة، عن الحسن، وقيل: الخلة والثناء الحسن، قال قتادة: حتى ليس من أهل دين إلا وهو يتولاه ويرضاه، وقيل: تنويه اللَّه [بذكره] بطاعته حتى صار إماماً يقتدى به، وقيل: ذكره في الصلاة في هذه الأمة عند قولهم: كما صليت وباركت على إبراهيم، عن مقاتل، وقيل: أولاداً أبرارًا، عن الكلبي، وقيل: إجابة دعوته حتى جعل النبوة في ذريته «وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ» قيل: من جملتهم، وقيل: معهم، والصالحون قيل: هم آباؤه الصالحون، وقيل: الأنبياء، وقيل: في محل الصالحين وهو الجنة، عن أبي مسلم، وقيل: في الآية تقديم وتأخير تقديره: آتيناه في الدنيا والآخرة حسنة، وهو من الصالحين في الدنيا الخلة والنبوة، وفي الآخرة الجنة والمثوبة.

  ثم أمرنا بالاقتداء به لما فيه من اللطف، فقال: «ثُمَّ أَوْحَينَا إِلَيكَ» يا محمد «أَنِ