التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون 124 ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين 125 وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين 126 واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون 127 إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون 128}

صفحة 4140 - الجزء 6

  جعل عقوبة السبت لما اعتدوا فيه على الَّذِينَ اختلفوا وهم اليهود بأن جعلهم قردة، عن الحسن، دليله قوله تعالى: {وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ}⁣[النساء: ١٥٤]، وقيل: اختلفت اليهود في السبت استحله بعضهم وحرمه بعضهم «وَإن رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَينَهُمْ» أي: ليفصل «يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» من أمر دينهم وبين المحق والمبطل.

  ثم أمره بالدعاء إلى الحق فقال: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ» أي: دينه؛ لأنه الطريق إلى مرضاته «بِالْحِكْمَةِ» قيل: بالقرآن ولا موعظة أحسن منه، وقيل: بالترغيب والترهيب والرفق، والقول اللين على أبلغ الوجوه، «وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» أي: أقم الحجة، قيل: بأحسن الإقامة والبيان، وقيل: بأحسن الحجج وأثبتها وأظهرها، وقيل: بالرفق واللطف لأنه أقرب إلى القبول، وقيل: أعرض عن أذاهم، ولا تقصر في البلاغ، ثم نسخ بآية القتال، «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سبيلِهِ» عن دينه «وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» فيجازي كل أحد بحسب عمله، وقيل: هو أعلم بما يهديهم فلذلك بعثك «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ» يعني أهل الشرك فيما مثلوا «فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ» ولا تزيدوا، وقيل: إن جازيتم على فعل فعلى قدر ما فعلوا، وقيل: معناه ادع إلى الدين بالعلم والموعظة، فإن لم يقبلوا فجادلهم بالحجة على أحسن الوجوه، فإن عدلوا عن طريق المحاجة إلى الأذى فالأولى بك العفو، فإن جازيت فالمثل، لا تجاوز عن ذلك، عن أبي مسلم. «وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ» على أذاهم «لَهُوَ خَيرٌ» يعني الصبر خير لما فيه من جزيل الثواب «لِلصَّابرِينَ»، «وَاصْبِرْ» فيما أمرتك ونهيتك عنه، وما تبلغه من الرسالة، وما تلقى من الأذَى «وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ» قيل: بمعونته ولطفه، وقيل: كيف