التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود 125}

صفحة 583 - الجزء 1

  والربيع والسدي وأبي علي، وهو أوجه؛ لأن مقام إبراهيم إذا أطلق فلا يفهم إلا ذلك، ولحديث عمر؛ ولأن مقامه موضع قيامه، فحمله عليه أولى «مُصَلّى» قيل:

  مدعاة، كأنه أخذ من صليت دعوت، عن مجاهد. وقيل: قِبْلَة، عن الحسن وأبي علي. وقيل: موضع صلاة، وأمروا أن يصلوا عنده، عن قتادة والسدي، وهو الصحيح، وهو الصلاة التي تفعل عقيب الطواف «وَعَهِدْنَا إِلَى إبْرَاهِيمَ وِإسْمَاعِيلَ» أي أمرناهم وألزمناهم «أَنْ طَهّرَا بَيتِي» من الفرث والدم الذي كان يَطرحه المشركون عند البيت، قبل أن يصير في يد إبراهيم وإسماعيل، عن أبي علي. وقيل: طهراه من الأصنام والأوثان التي كانت عليه المشركون قبل أن يصير في يد إبراهيم، عن مجاهد وأبي علي وقتادة. وقيل: طهراه ببنائكما على الطهارة كقوله: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ} عن السدي. «بيتي» يعني الكعبة، وأضافه إلى نفسه تخصيصًا وتفضيلاً «لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكفِينَ» قيل: للطائفين. بالبيت، والمقيم بحضرته، عن عطاء وأبي علي. وقيل: الطائفين من أتاها من الآفاق، والعاكفون أهل البلد الحرام، عن سعيد بن جبير، وقيل: العاكفون المجاورون، عن مجاهد. وقيل:

  المصلون، عن ابن عباس، والأوجه الأول «وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» قيل: المصلون عند البيت، عن قتادة وعطاء وأبي علي. وقيل: أراد جميع المؤمنين، عن الحسن والفراء.

  وقيل: إذا طاف به فهو من الطائفين، وإذا جلس فهو من العاكفين، وإذا صلى فهو من الركع السجود، عن عطاء.

  · الأحكام: يدل قوله: «وَإذْ جَعَلنا البَيتَ مَثَابَةً» على أن ذلك تَعَبُّدٌ منه؛ لأن معنى مثابة أن يثوبوا إليه، وذلك فعلهم، فيتعلق به التعبد، ثم ذلك قد يكون نذرًا، وقد يكون واجبًا، فالواجب له صفة زائدة فيحتاج إلى دليل، ويحتمل أنه جعله مثابة بلطفه حتى يحصل في قلوبهم الحرص على الرجوع إليه، وإن كان الوجه الأول أولى.