قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا 4 فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا 5 ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6 إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا 7 عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 8}
  فيما كتب في اللوح المحفوظ {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتينِ} قيل: بقتل الأنبياء وسفك الدماء، وكثرة الفساد، وقيل: فسادهم في الأول قتل زكريا، وفي الثاني قتل يحيى، عن ابن عباس، وابن مسعود. وقيل: مخالفتهم التوراة بكثرة المعاصي، عن قتادة، وقيل: قتل شعيا، عن ابن إسحاق، وقيل: في الأول بتسليط اللَّه عليهم سابور ذي الأكتاف، وفي الثاني [بختنصر]، عن ابن زيد، ومعنى سلط خلى بينهم وبينه، فلم ينصرهم حتى تسلط عليهم، وقيل: الفساد الأول قتل شعيا مع سائر الأحداث، والثاني: قتل يحيى، ثم اختلف هَؤُلَاءِ من أتاهم في الأول [بختنصر]، وفي الثاني ملك من ملوك بابل، عن ابن إسحاق، وقيل: في الأول جالوت فقتله داود، وفي الثاني [بختنصر]، فخرب ديارهم وحرق التوراة وفعل الأفاعيل، عن قتادة، والأصم، وقيل: إنه غلط، واللَّه أعلم. وقيل: إنه ذكر فسادهم ومعاصيهم ولم يبين ما هو، فلا يقطع على شيء، عن أبي علي وهو الوجه، وقيل: فسادهم قتلهم للناس وظلمهم وتغلبهم على البلاد قهرًا، وإخراب ديارهم بغياً، وأخذ أموالهم غصباً «وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا» أي: لتستكبرن ولتظلمن الناس ظلماً كبيرًا، قيل: كانوا مؤمنين في ذلك الوقت فأخبرهم أنهم يتغيرون «فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا» أول المرتين الَّذِينَ تفسدون فيها {بَعَثْنَا عَلَيكُمْ} قيل: أمرنا قوماً مؤمنين بغزوكم وجهادكم، عن أبي علي، وهو الوجه، لأنه حمل الكلام على ظاهره وحقيقته، وقيل: خلينا بينكم وبينهم خاذلين لكم، كقوله: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ}[مريم: ٨٣] وقيل: يجوز أن يكونوا مؤمنين فأمرهم بجهاد هَؤُلَاءِ، ويجوز أن يكونوا كافرين فتألفهم نبي من الأنبياء لحرب هَؤُلَاءِ وتسليطهم على نظرائهم من الكفار والفساق، عن أبي مسلم. «عِبَادًا»