التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا 4 فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا 5 ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6 إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا 7 عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 8}

صفحة 4158 - الجزء 6

  قد بينا ما قيل فيهم من غير تعيين، فأما من عين فقيل: كان جالوت الحوري وكان مجوسياً فقتله داود زمن طالوت، عن ابن عباس، وقتادة، والأصم، وقيل: [بخت نصر] البابلي، عن سعيد بن المسيب، وابن إسحاق، وقيل: سنحاريب ملك بابل، عن سعيد بن جبير، وزعم هو أنه من أهل الموصل، وهي نينوى وأثور وسار إلى بيت المقدس مع ستمائة ألف راية، وقيل: العمالقة، وهم كانوا كفارًا، عن الحسن، وقد بينا أن الصحيح ما ذهب إليه أبو علي أنهم قوم مؤمنون أمرهم اللَّه تعالى بجهاد هَؤُلَاءِ، لأن قوله: «بَعَثْنَا» وقوله: «عِبَاداً لَنَا» ظاهره يقتضي ذلك، وهذه الإضافة إضافة تشريف «أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» ذوي بطش في الحرب شديد «فَجَاسُوا» قيل: ترددوا وطافوا، عن ابن جرير، وقيل: مشوا، عن ابن عباس، وقيل: قتلوا، عن الفراء، وقيل: طلبوا من فيها كمن يجوس الأخبار، عن أبي عبيدة، وقيل: عاثوا وأفسدوا، عن [القتبي]. «خِلاَلَ الدِّيَارِ» أوسط الديار «وَكَانَ وَعْدًا» أي: موعوداً كقولهم: هبة وموهوب «مَفْعُولاً» أي: قضاء كائناً لا خلف فيه «ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ» يا بني إسرائيل «الْكَرَّةَ» الرجعة والدولة «عَلَيهِمْ» لأنهم تابوا وندموا على ما سلف منهم من المعاصي وقتل الأنبياء، وصلحوا فقبل اللَّه توبتهم ونصرهم وأظفرهم على أعدائهم «وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا» قيل: أكثر عدداً، وقيل: أكثر رجالاً، عن مجاهد. «إِنْ أَحْسَنْتُمْ» يا بني إسرائيل، قيل: الأعمال مما تحسن عقلاً وشرعاً، وقيل: بالتوحيد «أَحْسَنْتُمْ لأنَفُسِكُمْ» لها ثوابها وإليها يعود نفعها «وَإِنْ أَسَأْتُمْ»