التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا 9 وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما 10 ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا 11 وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا 12}

صفحة 4167 - الجزء 6

  [الحج: ٤٧] {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ}⁣[الرعد: ٦] عن أبي مسلم، يبين اللَّه تعالى أن تدبيره لأنفسهم خير من تدبيرهم لأنفسهم «وَكَان الإِنسَانُ عَجُولاً» قيل: عجولاً بالدعاء على ما يكره أن يستجاب له فيه، عن مجاهد، وقتادة، وقيل: ضجرًا لا صبر له على البأساء والضراء، وقيل: عجولاً بالدعاء على ما يكره، وقيل: آدم لما نفخ فيه الروح فبلغت إلى رجليه قبل أن تجري فيهما رام النهوض، حكي ذلك عن ابن عباس، وهذا لا يصح لأنه ما لم تصر الجملة حية لا يصح منها الإرادة ولا الفعل {وَجَعَلْنَا اللَّيلَ وَالنَّهَارَ آيَتَينِ} يعني نور النهار وظلمة الليل، وقيل: الشمس آية النهار، والقمر آية الليل، والأول أليق بالظاهر والأصح؛ لأنه ليس في الآية ذكر الشمس والقمر، إنما ذكر الليل والنهار، فالمراد أنهما آيتان، فآية الليل الظلمة، وآية النهار الضوء، عن الأصم، وأبي علي، قال الأصم: ولأن القمر قد يكون بالنهار، فأما أبو مسلم فإنه جوز كلا الوجهين. «آيتين» قيل: علامتين ودلالتين على حدوثهما وعلى حدوث ما لا ينفك منهما، وهو العالم أجمع، وعلى صانع حكيم، وأنه قادر عالم حي موجود قديم سميع بصير، وقيل: آيتين أي: علامتين على ما يطلب فيهما، فالنهار يضيء للأعمال وطلب المعاش، والليل للسكون والدعة «فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ» أي: جعلناها لا تضيء كما يضيء النهار لأنها مظلمة، وقيل: الليل يمحو لأنه لا يبصر فيه كمحو الكتاب لا يبصر فيه، وقيل: محو الليل بعد الضوء المنتشر، وهذا من البلاغة الحسنة.

  ومتى قيل: إذا كان المراد الليل والنهار، فلم أضاف الآية إليهما؟

  قلنا: مثله جائز كما يقال: بلاد العراق، وعين الشيء، ومسجد الجامع ونحوه، وقيل: المراد محو القمر، ثم اختلفوا فمنهم من قال: محوه قلة نوره،