قوله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا 13 اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا 14 من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا 15}
  له صانعاً حكيماً على ما بينا له وهديناه إليه وشاهداً عليها فلزمته الحجة، ثم خص أعماله، كقوله: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}[القيامة: ١٤] عن أبي مسلم، وإنما خص العنق لأن إضافة ما يزين كالطوق، أو يشين كالغل يضاف إلى الأعناق، وإنما يضاف العمل إلى الأيدي وإن كان كسبه لغيره، فأضاف ذلك إلى الأعناق على عادة العرب، وقيل: لأنه يذكر ويراد به جميع النفس، تقول: هذه أمانة في عنقي أي: علي «وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا» وهو ما كتبه الحفظة عليهم من أعمالهم «يَلْقَاهُ» يرى ذلك «مَنْشُورًا» أي ينشر له ويعرض عليه حتى يقرأه ويعلم ما فيه، وقيل: ظاهر لا يغيب عنه شيء من أعماله، عن الأصم. «اقْرَأْ» فيه حذف أي: ويقال له: «اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيكَ حَسِيبًا» قيل: يقرأ يومئذ من لم يكن قارئاً في الدنيا، عن قتادة، وقيل: قوله: «حَسِيبًا» أي: محاسباً، قال الحسن: لقد أنصفك من جعلك حسيب نفسك، وقيل: حاكماً في عمله بموجبه من خير أو شر، وقيل: حسيباً شهيداً، وإنْا أضاف الحساب إلى العبد قيل: ليعلم أنه لا حجة له، وقيل: ليعلم أهل الموقف أنه مأخوذ بعمله، وأنه لا يظلم أحداً «مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ» أي: نفع الاهتداء يعود عليه «وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا» أي: ضرر ضلالته تعود عليه، ولا يضر إلا نفسه «وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» قيل: لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، والوزر: الإثم، وقيل: لا يجوز لأحد أن يعمل الإثم؛ لأن غيره عمله، والأول أظهر «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ» أحداً «حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا» قيل: لا نعذب بعذاب الدنيا والآخرة إلا بعد البعثة، وإقامة الحجة قطعاً للعذر، وقيل: لما فيه من اللطف الذي لا يجوز منعه، قالوا: ولا يجوز أن ينفرد التكليف العقلي والسمعي، وهو قول كثير من مشايخنا، وقيل: لا نؤاخذ بطاعة ومعصية لا تقوم بها الحجة إلا من قبل الرسول أو من ينوب عنه،