التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا 13 اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا 14 من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا 15}

صفحة 4174 - الجزء 6

  الاستئصال، أو قوم علم اللَّه أن البعثة لطف لهم، أو المراد أنه لم يعذب وإن جاز أن يعذب.

  وتدل على أن الكفار مخاطبون بالشرائع، لذلك لزمهم الحجة بها وعذبوا على تركها.

  وتدل عليَ أنه لا يلحقهم ما لم يبلغهم، ولهذا قال أصحابنا: من أسلم في دار الحرب ولم يعلم بوجوب الصلاة والصوم ثم خرج إلينا لا يلزمه القضاء، وهكذا في دار الإسلام في القياس، إلا أنا استحسنا وألزمناه القضاء، لأن دار الإسلام لا تخلو من أذان ومساجد وتعلم، فقد أتى التفريط من جهته، بخلاف دار الحوب.

  وتدل على بطلان قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق من وجوه كثيرة:

  منها: قوله: «طائره» أي: عمله فكيف ألزمه وأضافه إليه، وهو الخالق له بجميع صفاته ولا تأثير للعبد إلا أنه محله فما هو إلا كلونه وهيأته.

  ومنها: قوله: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا} وهو ما يكتب عليه، ومتى كان هو الخالق لها فلم تكتب على العبد؟

  ومنها: قوله: «اقْرَأْ» فإن كانت القراءة خلقاً له لما كان لقوله: «اقْرَأْ» معنى.

  ومنها: قوله: «حَسِيباً» ولو كان هو الخالق لكان عليه حسابه لا على العبد.

  ومنها: أنه يحاسب ليظهر لأهل الجمع أنه مجازى بعمله ولا يظلمه، ولو خلق فيه الكفر وأراده ومنعه من الإيمان لم يكن لهذا الحساب أنه يجازيه معنى وفائدة، إذ لا ظلم أعظم من هذا.