قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا 16 وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا 17 من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا 18 ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا 19}
  وغسل الأعضاء يجب قبل القيام إلى الصلاة، وتقديره: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا، ولكن عند أهل العربية ذكر الإرادة وحذفها والتقديم والتأخير لها، وعلى هذا يكون معنى {إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} أي: إذا أهلكنا قرية فإنما نهلكها بفسق مترفيها، واستحقاقهم العذاب، عن أبي مسلم.
  الرابع: هو أن يكون جواب (إذا) محذوف لما في باقي القصص من الدليل عليه، ويكون (أمرنا مترفيها) من صفة القرية، ولا يكون كلاماً مستأنفاً ولا جواباً، فإن القرية في هذا الموضع نكرة، والنكرة إذا أريد تعريفها وصفت فلحقت بالمعرفة، وتقديره:
  إذا أردنا أن نهلك قرية قد كنا أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناهم، وأحللنا بهم ما نريده، عن أبي مسلم أيضاً.
  ومتى قيل: لم لا يجوز أن يتعلق الهلاك بإرادته تعالى وأمره؟
  قلنا: أما الإرادة فلا يجوز تقديم العذاب قبل الاستحقاق، فلا يجوز إرادة العقاب، ولأنه لا يجوز تقديم الإرادة على المراد، وأما الأمر فأوامره تعالى لا توجب الهلاك وإنما الموجب له مخالفتهم للأمر، وقد قال تعالى: {وَمَاكنًّاَ مُعَذِّبِينَ}، {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}[القصص: ٥٩] فلا بد من حمله على ما ذكرناه.
  ومتى قيل: فما معنى المترفين؟ ولم خصهم بالذكر؟
  قلنا: معناه: المنعمون، وخصهم بالذكر لأنهم الرؤساء وعليهم مدار الأمر، وحكم البلد ثابت بهم، ومن عداهم تبع لهم كفرعون في قومه، فصاروا فسقة بفسقهم، قيل: ولأن النعمة إذا كثرت أوجبت زيادة الشكر، فإذا ازدادوا كفرًا على كفرهم استحقوا زيادة العقوبة، ومعنى (أمرنا) أي: أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير.
  ومعنى (فسقوا فيها) أي: خرجوا عن طاعة اللَّه وتمردوا في العصيان.