التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا 28 ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا 29 إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا 30}

صفحة 4194 - الجزء 6

  بين كيفية الإنفاق، ولا شبهة أن الإنفاق في المعصية سرف وتبذير وإن قل، ويدخل فيه ما كانت العرب تفعله من البحيرة والسائبة والوصيلة، ويدخل فيه ما ينفقه الباغي في بغيه، وما ينفقه في الشرب واللَّهو وأجرة البغايا، والنائحة والمغنية. ويدخل فيه الرشا ونحو ذلك مما يطول تفصيله.

  فأما إذا أنفق في مباح فإن أنفق أكثر مما يليق به ويكفيه فهو إسراف وتبذير، وإن من صرف أكثر ماله إلى ما لا حاجة له فيه فهو إسراف، وكذلك إن كان له مال قليل فصرفه إلى شهواته وترك نفسه وعياله في بؤسٍ عُدّ مبذرًا، فأما إذا أنفق في طاعة، فإن كان في صحته فاضلاً عن نفسه وعياله فليس بتبذير، وإن كان في مرضه ويخرج من ثلثه فليس بتبذير.

  وتدل على أن التبذير فعل العبد، وكذلك التوبة، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق، وكذلك الإيتاء لذلك صح الأمر والنهي والوعد والوعيد.

قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ٢٨ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ٢٩ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ٣٠}

  · اللغة: الإعراض: صرف الوجه عن الشيء، وقد يكون عن قلى، وقد يكون للاشتغال بما هو أولى، وقد يكون للإذلال، أعرض عنه يعرض إعراضاً.