التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا 28 ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا 29 إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا 30}

صفحة 4196 - الجزء 6

  فنزل. قوله: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الآية.

  · النظم: يقال: كيف تتصل الآية الأولى بما قبلها؟

  قلنا: لما أمر بالإنفاق ونهى عن التبذير بين كيفية الإنفاق عند وجود السعة، وكيفية صرف السائل عند عدمه.

  ويقال: كيف يتصل قوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} بما قبله؟

  قلنا: فيه وجوه:

  أولها: أنه نهى عن البخل ظناً أنه يستقيم المال، أو يزيد في الرزق، وحثاً على الإعطاء، فإنه يعطي بحسب المصلحة.

  وقيل: حثاً على القصد، فإنه تعالى مع قدرته وغناه يراعي المصلحة، فيوسع مرة ويضيق مرة، ولا يجاوز حد المصلحة، فمن دونه أن يراعى الصلاح أولى، عن أبي مسلم.

  وقيل: لما نهى عن الإسراف بين أنه يعطيه بحسب المصلحة، فلا يأمن أن يكون المعلوم أنه يضيق رزقه، وهو يسرف، فيكون باخسًا بحقه، عن القاضي.

  · المعنى: «وِإمَّا تُعْرِضَنَّ» يعني: إن تعرض عن هؤلاء الَّذِينَ أمرتك بإيتاء حقهم عند مسألتهم إياك لأنك لا تجد ذلك حياء منهم «ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا» يعني: انتظار رزق يأتيك من ربك تأملها، قيل: هو الغنيمة، وقيل: سائر ما ترجو اللَّه تعالى، وقيل: تعرض عنهم خشية أن ينفقوا العطية على المعصية، فتبتغي رحمة من ربك ترجوها لهم بالتوبة، عن ابن زيد. «فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا» أي: اصرفهم بقول سهل