التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا 28 ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا 29 إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا 30}

صفحة 4197 - الجزء 6

  لين، قيل: قل لهم قولاً سهلاً ليناً، وعدهم عدة جميلة، إلى أن يظهر مال، عن جماعة أهل العلم الحسن وغيره، وقيل: قل لهم: أعطاك اللَّه. وروي أن رسول اللَّه ÷ كان إذا سأله سائل شيئاً، فإن كان عنده أعطاه، وإن لم يكن قال: «سيرزقنا اللَّه وإياكم»، وقيل: تيسر عليهم قوتهم إذا دعا لهم النبي ÷، عن الأصم. «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ» هذا كناية عن قبض اليد عن الإنفاق، فكأنه جعلها إلى عنقه، وتقديره: لا تمسك يدك عن النفقة كالمشدودة يده إلى عنقه «وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ» كناية عن الإسراف في النفقة، أي: لا تعط جميع ما عندك وتضيع نفسك وعيالك، وقيل: لا تبسطها في المعصية ولا تمسكها عن الطاعة، وهو الوجه. «فَتَقْعُدَ مَلُومًا» قيل: يلومك سائلوك إذا لم يجدوا عندك ما سألوك، وقيل: تلوم عيالك وتلوم نفسك، وقيل: تلام بإنفاقه في المعصية «مَحْسُورًا» منقطعاً بك لا شيء عندك، وقيل: تبقى عاجزاً نادماً، عن قتادة، وقيل: يظهر فقرك لا تجد ما تنفقه على نفسك وعيالك، عن أبي مسلم، وقيل: المحسور الذي دخله الحسرة، عن أبي علي، أي: تتحسر لأجل ما صنعت.

  ومتى قيل: كيف يكون من أعطى ملوماً محسورًا، ومن يتحسر على الإعطاء ينحبط ثوابه؟

  قلنا: لا يتحسر على الإعطاء، ولكن يتحسر بخلل العيال أنه لم يرم شعثهم.

  «إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ» أي: يوسع ويضيق بحسب المصلحة «إِنَّهُ كَان بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا» أي: عليماً بأحوالهم يدبر فيهم بحسب ما يرى.

  · الأحكام: تدل الآية على أن من آتاه سائل ولا يجد ما يعطيه يجب أن يصرفه على وجه