التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا 31 ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا 32 ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا 33}

صفحة 4200 - الجزء 6

  · النزول: قيل: كان أهل الجاهلية يئدون بناتهم خشية الفاقة، ونكاح غير الاكفاء، وهو الموؤودة في قوله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}⁣[التكوير: ٨] فنهاهم اللَّه تعالى، وفيهم نزلت الآية.

  وقال الأصم: كانوا يئدون البنات خشية الفاقة، ويئدون كل ذكر ليس فيه نفع، ويفعلون ذلك بآبائهم وأمهاتهم إذا بلغوا أرذل العمر بحيث لا ينتفع بهم.

  وقيل: نزل قوله: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} فيما كانت العرب تفعله في الجاهلية تقتل غير قاتله، ولا يرضى حتى يقتل أشرف منه، ويتعمد الوليُّ الشريفَ من قبيلة القاتل فيقتله بوليه ويترك القاتل، فنهى اللَّه عن ذلك، عن الحسن، وابن زيد.

  وقيل: نزلت في أهل مكة، كانوا يقتلون أصحاب النبي ÷، وهو أول آية نزلت في القتل، نهوا أن يقتلوا غير القاتل، عن الضحاك، وقال: هذا قبل نزول آية القتال في (براءة).

  · المعنى: ثم عطف تعالى الأوامر والنواهي على ما تقدم من قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ}، فقال سبحانه: «وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ» يعني البنات «خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ» خوف فقر، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وكانوا يئدون البنات، يدفنونهن أحياء «نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ» يعني هو المتكفل برزقهم ورزقكم، وهو يرجع إلى الأولاد «إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا» يعني إثماً «كَبِيرًا» عظيماً، والخطأ ضد الصواب لا ضد العمد «وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً» أي: معصية عظيمة قبيحة «وَسَاءَ سَبِيلاً» أي: بئس الطريق الزنا «وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» إنما قال: «بِالْحَقِّ» لأن ما حرم قد يصير حقًّا على ما ورد في الخبر «بزنا بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل نفس بغير نفس»، «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا» بغير حق «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» قيل: الولي من يرث عنه امرأة كانت أو رجلاً، وقيل: من