التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا 34 وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا 35 ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا 36}

صفحة 4204 - الجزء 6

  فأما قوله: {وَلَا تَقربُوا} قيل: جزم بالنهي، وقيل: نصب بالعطف على قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا}، وكذلك قوله: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ}، وهَؤُلَاءِ للجمع القليل في المذكر والمؤنث، فإذا أريد في الكثير قلت في التأنيث: هذه وتلك. قال الشاعر:

  ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى ... وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ

  · المعنى: ثم عطف على ما تقدم من المنهيات، فقال سبحانه: «وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» اليتيم من كان طفلأ لا أب له، فإذا بلغ فليس بيتيم، قال ÷: «لا يتم بعد البلوغ» وخص اليتيم بالذكر وإن كان مال البالغ أيضاً حرام، لأنه أحوج إلى الغنم والطمع فيه أكثر، فخصه بالذكر، وأكده بالوعيد {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} هي حفظه وتنميته، «حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ» أي: مجتمع عقله وزوال اسم اليتم عنه، قيل: ثمان عشرة سنة، وقيل: الاحتلام مع سلامة العقل وإيناس الرشد «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ» قيل: بالوصية بمال اليتيم وغيرها من الوصايا، عن أبي علي، وقيل: كل ما أمر اللَّه به ونهى عنه فهو من العهد، وقيل: هو من الأيمان والنذور، وقيل: هو العهود بين الناس وما أوجبه على نفسه، عن الأصم. «إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا» قيل: مسؤلاً عنه للجزاء فيسأل لم نقضه، فحذف عنه، لأنه مفهوم الكلام، وقيل: معناه إن العهد وصاحب العهد كان مسؤلاً، وقيل: كأن العهد يسأل: لم نقضت؟ كما تسأل الموؤودة: