التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا 37 كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها 38 ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا 39 أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما 40}

صفحة 4211 - الجزء 6

  تلوم نفسك على ما سلف منك من الذنوب ولا ينفعك «مَدْحُورًا» قيل: مطروداً، عن ابن عباس وغيره من أهل العلم. «أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ» أي: أخلص لكم البنين وجعل البنات بينه وبينكم شركة، وقيل: معناها استخبر هَؤُلَاءِ المشركين [أَتخذ] من الملائكة بناتاً وأصفاكم بالبنين! وقيل: معناه: [أَختار] لكم صفوة البنين واتخذ هو غير الصفوة، عن الزجاج، وإنما وبخهم بإضافة البنات إليه وإن كان إضافة البنين أيضاً لا يجوز لأنه رد عليهم طريقتهم في أن لله بنات، وكانوا يأنفون من البنات حتى كان بعضهم يئد «إنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا» أي: كبيرًا في الإثم واستحقاق العقوبة، عن أبي عليَ، وقيل: عظيم في مخالفة العقول والأدلة، وقيل: عظيم في الفرية، عن الأصم وقيل: عظيم في الاستحالة.

  · الأحكام: يدل قوله: {وَلَا تَمْشِ} على قبح الكبر، والنهي عنه، وتنبيه على أنه عبد ضعيف عاجز فلا ينبغي له أن يتكبر.

  ويدل قوله: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} على أنه تعالى يكره المعاصي، وإذا كرهها لا يريدها لاستحالة أن يريد الشيء ويكرهه، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في الإرادة، وإذا لم يردها دل أنه ليس بخلق له، فيبطل قولهم في المخلوق.

  وتدل على أن صفة الإرادة والكراهة من صفات الأفعال وليست من صفة الذات، ولذلك يصح أن يوصف بها وبضدها بخلاف العلم والقدرة والحياة والوجود، فيبطل قول النجارية: إنه مريد لذاته، وقول الكلابية: إنه مريد بإرادة قديمة، ويصحح قولنا: إنه مريد بإرادة محدثة، ولا شبهة أنه تعالى ليس بمحل للحوادث فتحله، ولو حل غيره لاختص به، فلم يبق إلا أنه يوجد لا في محل.