التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا 49 قل كونوا حجارة أو حديدا 50 أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا 51 يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا 52}

صفحة 4230 - الجزء 6

  أولها: أنه جاز أن يخلق الإنسان من نطفة وتراب ويجعله حياً فهلا جاز أن يعيده من العظام والرفات أحياء، وأي فرق بين الرفات وهي جواهر والأجسام كالنطفة، وبعد فإن العظام والرفات أقرب إلى الإنسانية من التراب والنطفة.

  وثانيها: أنه إذا جاز أن يستحيل الحجر إنساناً والإنسان حجرًا، وأن يصير الإنسان تراباً والنطفة حياً فما المانع من الإعادة؟

  وثالثها: أن خلق الجواهر لا يصح إلا من القادر للذات والقدرة لا يصح لها فعل الجسم، فإذا كان هو قادرًا لذاته خلق الجواهر، والجواهر مما يجوز عليها البقاء، وكذلك الحياة تبقى، فما المانع من أن يعيد الجواهر بعد الفناء، أو يصيره حياً بعد الممات.

  «فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ» أي: يحركون رؤوسهم تعجباً واستهزاءً، وقيل: يرفعون رؤوسهم وأبصارهم إنكارًا، عن أبي علي. «وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ» أي: مع تحريك الرؤوس سألوا متى يكون ذلك جحداً وإنكارًا «قُلْ» يا محمد «عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا» قيل: عسى من اللَّه واجب، والمعنى أنه قريب في حكم اللَّه محياها وقيامها، وقيل: هو أمر يعلمه اللَّه تعالى وأجلها قريب، وهو اليوم الذي يدعوهم، عن أبي علي، وأبي مسلم. «يَدْعُوكُمْ» أي: من قبوركم، وقيل: هذا النداء بالخروج إلى أرض المحشر بكلام يسمعه جميع العباد، وقيل: هي