قوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا 53 ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا 54 وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا 55 قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا 56 أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا 57}
  إذا سمعوا قولك في التوحيد والعدل والشرائع، والبعث والجزاء، وقول المشركين، فيتبعوا ما هو أحسن، ويقولوا ما هو أولى، ونظيره قوله: {فَبَشِّرْ عِبَادِ ١٧ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الزمر: ١٨، ١٧]، عن أبي مسلم، وهذا أحسن الأقوال وأوجهها، وقيل: شكا المؤمنون أذى الكفار، فأمروا أن يقولوا الحق ولا يحسرهم «إِنَّ الشَّيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُمْ» أي: يفسد بينهم، ويغري بعضهم بالبعض «إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا» أي: يظهر عداوته.
  ثم خاطب الفريقين، فقال سبحانه: «رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ» أي: بأعمالكم وضمائركم فيجازيكم بها «إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ» قيل: يرحمكم بالتوبة، وإن يشأ يعذبكم، وقيل: يرحمكم فينجيكم من أهل مكة، وإن يشأ يعذبكم بالتخلية بينكم وبينهم، قيل: أراد به أنه المالك للعذاب والرحمة ليكون الرجاء إليه والخوف منه، عن أبي علي، وهو الوجه. «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيهِمْ وَكيلاً» أي: وما وكلناك عليهم لتمنعهم من الكفر قهرًا، وقيل: حفيظاً وكيلاً، وقيل: نسختها آية القتال، وقيل: ليس بمنسوخ «وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» قيل: هو أعلم بالجميع فجعلهم مختلفين في الرزق والصور والأحوال كما تقتضيه المصالح، كما فضل بعض النبيين على بعض لعلمه بهم، وقيل: هو أعلم بالجميع فيصطفي لرسالته من يعلم أنه أصلح لها، ويقوم بحقوقها، عن أبي مسلم، وقيل: هو أعلم بهم فلذلك فضل بعض النبيين على بعض بحسب ما علم منهم، وقيل: أعلم بهم فيجازيهم بها، قيل: بزيادة الدرجة والثواب، وقيل: بإنعامه عليهم بالنبوة