التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا 88 ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا 89}

صفحة 4299 - الجزء 6

  والذي يحقق ذلك أنه يتحدى به الأئمة والعلماء إلى زماننا هذا مع كثرة مخالفي الإسلام وأعدائهم، ومع قصد جماعة لإيراد المعارضة، وعجزهم عنها دليل على صحة ما قلنا.

  والعمدة في ذلك أن يبين أنهم عجزوا عن مثله، وأن ذلك المعجز بمنزلة تأنيثه به من سائر الكلام، ومعلوم أنه تحداهم به، ولو لم يتحد لكانت هذه الآية وأمثالها كافية، وجعل ذلك علامة نبوته، وأن دواعيهم كانت متوفرة للمعارضة، فلما لم يعارضوا علم عجزهم عن ذلك.

  وتدل على كذبهم أنه كلام بشر.

  وتدل على حدثه؛ لأنه قادر على مثله؛ إذ لولا ذلك لما قدر هو على مثله كما لم يقدر غيره.

  وتدل على مباينته لسائر المعجزات من وجوه:

  منها: بقاؤه إلى آخر التكليف.

  ومنها: اشتماله على جميع ما يحتاج إليه من الأمور الدينية، ثم قد يكون الكلام فصيحاً في موضع، فإذا نزل موضعاً آخر لا يكون كذلك، والقرآن بعضه أمر، وبعضه نهي، وبعضه خبر، وبعضه أحكام، وبعضه أمثال، ثم الجميع يستوي في الفصاحة، وحسن اللفظ والمعنى.

  وتدل على أن الإباء والكفران فعل العبد، فيصح قولنا في المخلوق، والمصلحة في ذلك وجوه:

  أحدها: فضيلة للنبي ÷ حتى بقيت معجزاته مقرونة بشرائعه وأحكامه، بخلاف سائر الأنبياء.