التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا 1 قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا 2 ماكثين فيه أبدا 3 وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا 4 ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا 5 فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا 6}

صفحة 4342 - الجزء 6

  الْمُؤْمِنِينَ» المصدقين «الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا» ثواباً «مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا» أي: مقيمين فيه أبداً، يعني الثواب الدائم والمآب الدائم، وقيل: الأجر الحسن الجنة «وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا» أي: يخوفهم بالعذاب.

  ومتى قيل: لم عم في الآية الأولى الإنذار وخص هاهنا؟

  قلنا: في الأول عم المكلفين، وخص هاهنا لعظم حالهم وذنبهم بالشرك ولتقليدهم الآباء في ذلك، ولإصرارهم على الجهل وقلة التفكر، ولصدهم الناس عن الدين.

  «الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا» قيل: قريش قالت: الملائكة بنات الله، عن الحسن، وقيل: النصارى قالوا: المسيح ابن اللَّه، وقيل: هو عام في الجميع، وهو الوجه «مَا لَهُمْ بِه مِنْ عِلْمٍ» أي: لا يقولون - ذلك عن علم «وَلَا لِآبَائِهِمْ» أي: ما قال آباؤهم عن حجة توجب العلم «كَبُرَتْ كلِمَةً تَخْرُجُ» أي: عظمت هذه الكلمة كلمة في استحقاق العذاب «تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ» أضافها إلى الفم لأنهم تكلموا بذلك بأفواههم عن غير دليل على صحة ذلك، وقيل: تظهر من أفواههم، وذكر الفم للتأكيد «إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً» أي: ما قالوا ذلك إلا كذباً «فَلَعَلَّكَ» يا محمد، قال أبو علي: وليس بشك وإنما هو نهي يعني لا تأسف «عَلَى آثَارِهِمْ» أي: بيوتهم قاتلاً نفسك إن لم يؤمنوا «بَاخِعٌ نَفْسَكَ» أي: مهلك نفسك غيظًا وحسرة «عَلَى آثَارِهِمْ» أي: بعد موتهم، وقيل:

  على آثار الَّذِينَ قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا}⁣[الاسراء: ٩٠].