التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا 9 إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا 10 فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا 11 ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا 12}

صفحة 4359 - الجزء 6

  دقيانوس رجع إلى البلد، وأخذ الناس بدينه، فخافوا وجلسوا يتحادثون ويتذاكرون أمرهم وهو عند غروب الشمس، فضرب اللَّه على آذانهم في الكهف، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، وتفقدهم دقيانوس فلم يجدهم، وطولب آباءهم بهم، ثم أخبر بمكانهم، فأمر بالكهف أن يسد عليهم ليكون قبرًا لهم يموتون جوعاَ وعطشاً، وأراد اللَّه أن يجعلهم آية للناس، فكان مع دقيانوس رجلاً مؤمناً، فكتب أسماءهم وقصصهم في لوح من رصاص، وجعلها في تابوت، وجعل في البنيان، ومات دقيانوس، وانقرض قومه وقرون بعده كثيرة، وخلفت الملوك بعد الملوك.

  فهذه جملة ما روي من أخبارهم إلى أن ناموا.

  فأما ما جرى بعد انتباههم: فروي أن راعياً أدركه المطر عند الكهف، ففتح الباب ليدخله وغنمه، فانتبهوا في غد ذلك اليوم، عن وهب.

  وقيل: كانوا لبثوا فيها ثلاثمائة وتسع سنين ينامون ويتقلبون على أيمانهم وشمائلهم، وقيل: ملك تلك البلاد ملك مؤمن يسمى بيدوبيس والغالب على قومه إنكار البعث، فأظهر على الفتية ليجعلهم آية للناس، فوقع في نفس رجل من أهل تلك البلد أن يهدم ذلك البناء ويجعل الكهف حظيرة لغنمه، ففتحوا باب الكهف، فانتبهوا، فجلسوا من حينه، عن محمد بن إسحاق.

  وقيل: لما استيقظوا سلم بعضهم على بعض، وكانوا كأنما استيقظوا من ساعتهم، ثم قاموا إلى الصلاة وهم يرون أن الملك دقيانوس، فلما قضوا صلاتهم