قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا 22 ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا 23 إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا 24 ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا 25 قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا 26}
  لأنه إن جادلهم خفية كذبوا عليه ولبسوا على الضعفة وادعوا أنهم علموا ذلك من غوامض علومهم، ودلالة على صحة نبوته «وَلا تَسْتَفْتِ» أي: لا تستخبر، قيل: خطاب للنبي ÷ ونهي لأمته، وقيل: خطاب لأمته؛ لأنه كان عارفاً، والعارف لا يرجع إلى غيره، فالمراد المؤمنون حتى لا يرجعوا إلى أهل الكتاب «فِيهِمْ» في أصحاب الكهف «مِنْهُمْ» أي من أهل الكتاب، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
  ومتى قيل: لم نهى عن الاستفتاء منهم؟
  قلنا: إن كان الخطاب للنبي ÷ فلأنه عارف ولأنه يقتضي الشك في نبوته ويوجب فساداً في الدين، وتنفيرًا عنه، وإن كان الخطاب لغيره فلأنه لا يحتاج إليه في الدين، ولأن في الرجوع إليهم إظهار تعظيم لهم وتنفير عن المسلمين، ولأنهم لا يؤتمنون على الدين، ولا يؤمن منهم الكذب.
  {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ٢٣ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، قيل: سألوه عن هذه الصفة، فقال: «أخبركم غداً» ولم يستثن، فأمره اللَّه تعالى أن لا يقول أفعل شيئاً إلا ويستثني، وقيل: هذا شرع مبتدأ للجميع حتى يصلوا الاستثناء بكلامهم لئلا يلزمهم كذب وحنث، وهذا هو الأوجه، والأول غير جائز لأنه، ÷ لا يخبر إلا عن وحي وإذن، وإذا أذن له لم يقع فيه خلف، ولأنه إذا أخبر ولم يفعل كانت