التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا 47 وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا 48 ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا 49}

صفحة 4431 - الجزء 6

  بالويل والثبور، والويل الهلاك، وقد بينا دخول حرف النداء فيه «مَالِ هَذَا الْكِتَاب لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا» أي: لم يترك شيئاً من الذنوب إلا أحصاها، قيَل: الصغيرة: التبسم، والكبيرة القهقهة، عن ابن عباس. وقيل: الصغيرة اللمم والقبل والتخميش، والكبيرة الزنا، عن سعيد بن جبير. وقيل: المراد أنه يجزي بما دق وجل لأن الصغير ما نقص عقابه عن ثواب طاعته، والكبير ما زاد عقابه على ثواب طاعته، والكافر لا ثواب له فلا يكون له صغيرة على هذا «إِلَّا أَحْصَاهَا»، قيل: معناه علمها، وقيل: كتبها وأثبتها، عن السدي. وقيل: عدها، وقيل: حفظها، عن مقاتل، وعن الفضيل بن عياض لما قرأ هذه الآية قال: ضجوا من الصغائر قبل الكبائر.

  ومتى قيل: أليس الصغائر معفو عنها؟

  فجوابنا: أن لا صغيرة لكافر بل جميع ذنوبه كبائر؛ لأن الصغائر إنما تكون عند اجتناب الكبائر، وإنما تقع الصغائر من المؤمن.

  «وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا» قيل: مكتوباً مبيناً في كتبهم، وقيل: وجدوا جزاء ما عملوا حاضرًا، فجعل وجود الجزاء لوجود الأعمال توسعاً «وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» أي: لا يبخس أحداً حقه فيما وجب له، ولا يعاقب أحداً بما لا يستحقه،